بقلم - عائشة سلطان
اختارت دوريس ليسينج الروائية البريطانية المولودة في مدينة كرمنشاه في إيران عام 1919 زمن تألق الامبراطورية البريطانية ، والتي انتقلت مع أسرتها لاحقا للعيش في بريتوريا ( جنوب أفريقيا ) لتعاصر عن قرب التمييز العنصري من قبل المستعمرين البيض ضد السكان الأصليين ، الوقوف في وجه التعصب والعنصرية موضوعا رئيسا دارت حوله معظم أعمالها الروائية .
اضافة لذلك فقد كان لسيطرة وقسوة والدها في تعامله مع والدتها تأثير واضح عليها ، الأمر الذي أنتج نظرة شديدة الرفض ضد السلطة والعنصرية ظهر جليا في أمرين : الأول رفضها الانصياع لمتطلبات الامومة والزوجية ، والثاني مجمل أعمالها الرافضة لكل فكرة متعصبة أو متطرفة أو عنصرية ، وقد ظهر ذلك تحديدا في روايتها ( الدفتر الذهبي ) الذي أشارت إليه لجنة نوبل عندما منحتها الجائزة عام 2007 ، معتبرة هذه الرواية مشروع دوريس الاوضح للدفاع عن العنصرية ضد المرأة ، الذي يضعها على قائمة الاديبات النسويات الشهيرات ، إلا ان دوريس لم تتقبل هذا التصنيف .
لم تكتب في دوريس كتبا في الفكر والسياسة كما فعلت كاتبات أخريات ، لكنها تبنت أفكارا انسانية شديدة التنوع ومتعددة بسبب تربيتها ونشأتها خارج بريطانيا وتنقلاتها ، واكتفت بالرواية كأداة للتعبيرعن كل هذه الأفكار ، مع ذلك لم تقف موقفا سلبيا من ممارسات بلادها العنصرية والمتطرفة .
وكافتتاحية لكتابها اختارت دوريس عبارتين إحداهما ل(فريدريك هيجل) يقول فيها: " يفعل الإنسان خيرا لو اهتم بتاريخ طبيعته أكثر من اهتمامه بتاريخ إنجازاته" تريد القول أن هذا الاهتمام ربما جعله يعيد التفكير في سلوكياته المتعالية .
أما العبارة الثانية فهي "عقل المتعصب كحدقة العين، كلما تعرضت لمزيد من النور، زاد انقباضها" ، وهذا ما نراه ونلمسه يوميا ونحن مضطرون للعيش بالتوازي مع هذا المرض الخطير : التعصب بأفكاره ورموزه وأتباعه ، الذين كلما تعرضوا لمزيد من المواقف التي يفترض بهم مواجهتها بالمنطق والعقل ، نجدهم ينكمشون و يتمركزون أكثر حول عنصريتهم وذواتهم وعنجهيتهم ، والنتيجة إما أن يناصبوا الآخرين العداء والفوقية وبعناد شديد ، وإما أن يذهبوا مباشرة للقتل والتدمير .