بقلم - عائشة سلطان
المشهد كان أبشع من أن يحتمله قلب إنسان، يذكرك برجال غسان كنفاني في روايته «رجال في الشمس»، وكذلك النسوة والأطفال الذين أخرجوا من صهريج مياه كانوا أقرب للموتى عند نقطة تفتيش حدودية في العراق، «نحن لسنا بحيوانات» قالت إحداهن، بينما تلملم ثوبها خشية أن تنكشف رجلاها، في اللحظة التي كان أطفالها يُخْرَجون من الصهريج أشباه جثث!
هذا المشهد أحالني لأدب الروائية البيلاروسية سفيتلانا ألكسييفيتش التي ذهبت في إدانة الحرب إلى حيث لم يجازف أحد بالذهاب، فغاصت في أغوار نفوس العائدين من الحرب الأفغانية الروسية، لتقدم لنا نماذج لأولئك الذين أصبحوا يقتلون ضحاياهم كما يشربون كأس ماء بارد، يقتلون بسكاكين ضخمة ويلقون بجثث قتلاهم في مياه الأنهار ويعودون للمنزل ليشاهدوا الأفلام التي يعرضها التلفزيون في المساء.
لقد قتل وجرح وهُجِّر ملايين من الناس في الحرب الأفغانية، وقد كُتب الكثير عن مآسي ونتائج هذه المرحلة القاتمة. ولكن كيف رآها الأطفال تحديداً الذين شكلوا آخر الشهود الأحياء لهذه الحرب؟ بعد أكثر من ثلاثين عاماً على نهاية تلك الحرب أعادت سفيتلانا في كتابها «آخر الشهود» مَن بقي من الناجين للحياة لنسمع شهاداتهم!
لا تكتب سفيتلانا أدباً يجلب المتعة للقارئ، لكنه الأدب الذي يتحدث عن ذلك الخراب الذي تتركه الحرب في نفوس المحاربين بحيث لا يعودون هم أنفسهم الذين ودعتهم أمهاتهم وزوجاتهم وأقمن لهم حفلات توديع راقصة، تتحدث عن الأمهات اللاتي يبحثن في وجوه العائدين للبيوت عن وجوه أبنائهن الذين سرقتهم الحرب واستبدلتهم بفتيان آخرين!
ولكل ما قدمته في هذا الأدب «الصرخة» الإدانة، قررت الأكاديمية الملكية السويدية منحها جائزة نوبل في الأدب عام 2015 على مجمل أعمالها التي تدين الحرب ووجهها البشع: «ليس للحرب وجه أنثوي»، «آخر الشهود»، «فتيان الزنك»، «صلاة تشرنوبل».