بقلم - عائشة سلطان
الحي أو الفريج، حسب تسميته في بعض بلدان الخليج، هو المعادل الحيوي والعضوي للحارة في بلداننا العربية، كالشام ومصر مثلاً، وهو حسب التعريفات الإدارية «جزء من المدينة يشتمل على مجموعة من المباني والشوارع والطرق، ويكون له اسم متعارف عليه، وتحيط به غالباً شوارع رئيسية تفصله عن غيره من الأحياء».
بالنسبة للحي الذي ولدت ونشأت فيه، فقد كان له اسم لا يزال معروفاً به، وإن تلاشت ملامحه على الأرض، لكنه لم يعرف الشوارع الرئيسة أو الطرق المرصوفة، كما لم يكن في حينا مبان شاهقة كتلك التي كنا نراها في التلفزيون، ولا أعمدة إضاءة، ذلك له علاقة بطبيعة سنوات الكفاف الصعبة التي كنا نعيشها.
كان معظم الحي شبيهاً بسجادة متماسكة النسج، مسوّرة بالبحر الكبير، ومطرّزة بمجموعة من البيوت المتراصة الصغيرة والمتشابهة في معظمها، مطلية بالأبيض وذات بوابات خشبية مزدوجة تفتح من داخلها، وتنفتح على أفنية ترابية. في وسط كل فناء شجرة لوز كبيرة وظليلة غالباً ما تقضي نسوة البيت نهاراتهن تحتها لإنجاز الكثير من مهام البيت، ولا بأس من قضاء الكثير من الوقت لثرثرة الجارات أيضاً!
شكّل البحر وجداننا وذاكرتنا الأولى، كما شكّل حدود الحي الذي كانت أمهاتنا تخشى علينا من اقتراف خطأ التوغل فيه، فحوادث الغرق كانت تتكرر، والبحر لا يلاعب الصغار وإن كانوا ينظرون له كلعبة كبيرة. لكن ذلك لم يمنعنا من التوغل إلى أبعد مما كانت تخشاه الأمهات.
لقد توغلنا في مياه البحر بالفعل، ولطالما غرقنا، وأصابتنا الشمس بقوة، وأطلقنا أنظارنا إلى آخر الأفق، حيث يلتقي البحر بالسماء، وطرحنا أسئلتنا الأولى: ماذا هناك خلف السماء؟ كيف يمكن أن نصل إلى هناك؟ وهل هناك أفضل من هنا؟