بقلم - عائشة سلطان
نُشرت رواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ لأول مرة مسلسلةً في صفحات جريدة الأهرام عام 1958، لكنها مُنعت من النشر ككتاب، فصدرت في بيروت عام 1962، ولم يتم نشرها في مصر حتى أواخر عام 2006، على الرغم من أن محفوظ قد نال جائزة نوبل عام 1988 وأصبح أديباً عالمياً، لماذا؟ لأن الرواية تسيء للذات الإلهية وللسلطة بحسب أجهزة الرقابة المختلفة!
وبعد «أولاد حارتنا» منعت أجهزة الرقابة العربية: روايتي وليمة لأعشاب البحر، والخبز الحافي، وكتب حامد نصر أبوزيد وغيرها، والكثير من الأفلام، والأغاني والكتب الفكرية والسياسية تحت ذرائع مختلفة: الإساءة للدين، التطاول على الرموز السياسية، إضعاف الشعور الوطني والتسبب في البلبلة والفرقة والعداء، وتشويه وجه الوطن!
لنتوقف كثيراً عند كل هذا السلوك غير المتحضر، ونتساءل: هل تشوّه هذه الكتب وهؤلاء الكُتاب وجه الأوطان فعلاً؟ هل تسيء الروايات للأديان والمقدسات؟ هل تخلخل الأغاني أمن المجتمعات واستقرارها؟
فماذا فعلت الهزائم والانتكاسات بالإنسان والأوطان؟ ماذا فعل الفقر والجهل؟ ألم يشوه انعدام الحريات الأوطان؟ وانعدام كرامة الإنسان، وانعدام العمل والمسكن والقوت ألم يسيء للسياسيين ويُضعف الانتماء وينمّي العنف ويعرّض الأمن للخطر؟
هل أصبحت الأوطان هشة إلى هذه الدرجة بحيث لا تحتمل نقداً ولا كلمة ولا قصيدة ولا أغنية؟ إلى متى ستظل الحرية والكرامة في أوطان عديدة مجرد جعجعة تسمع في كل الجهات، ثم لا يرى إنسان هذه الأوطان في نهاية اليوم لا طحيناً يصنع الأمل ولا خبزاً يسد فتق الفقر الذي اتسع على الراتق!