بقلم - عائشة سلطان
من الصعب اختصار هذه الرواية «10 دقائق، و38 ثانية في هذا العالم الغريب» في بضعة أسطر، لكننا إذا أردنا استخلاص الحكاية الرئيسة عبر الخط الأساسي الذي قام عليه معمار الرواية نقول: إن أليف شافاق في روايتها تقص علينا حكاية امرأة ميتة تتذكر محطات من حياتها بعد وفاتها وإلقائها في مقلب قمامة، اعتماداً على إمكانية بقاء وعي الإنسان لفترة من الزمن بعد وفاته!
«ليلى» هي بطلة الرواية التي تم قتلها بالفعل بعد حياة صاخبة، وتوقف قلبها عن العمل بالفعل، لكن القصة بأكملها تدور في العشر دقائق والـ 38 ثانية المتبقية من حياتها التي يعمل خلالهم وعيها/ دماغها قبل أن يتوقف عن العمل نهائياً، ومن ثم تدفن منبوذة في مقبرة الغرباء. في هذه الدقائق تتذكر ليلى محطات فاصلة من حياتها السابقة.
«أليف شافاق» تحكي في هذه الرواية كما لم تحك من قبل بامتلاء وخبرة، بحكمة وتصوف وبواقعية وتمكن، لتصيغ عملاً عبقرياً غير معهود، فتحكي عن ولادة الأطفال، كما تحكي عن الحب، والخطايا، والضياع. عن البراءة، والعثرات المتلاحقة والأقدار المتراصفة. عن الظلم، والرحمة والطلاب الثائرين، وكبار الأثرياء، تكتب بلا سقف عن كل شيء، وتمس كل المحرمات التي لا يمسها الكتاب عادة وبهذا العمق والفهم والتعاطف. إنها رواية عن الموت والصداقة، والمدن الكبيرة الظالمة والمظلومة، والنساء التركيات المقهورات!
تظهر شافاق في هذه الرواية كحكاءة مختلفة، شهرزاد من نوع آخر تتناسل الحكايات من قلمها كما تتناسل الفراشات من حديقة ورد، أو الأسماك من فم المحيط، ليقرأ رواية أشبه بلعبة ماتريوشكا الروسية، دمية في قلب أخرى إلى ما لا نهاية. وستتعجب من قدرة أليف شافاق على نسج هكذا عوالم، وأنت تتابع حكاياتها وشخوصها ومفارقاتها.