عائشة سلطان
معظم الدول العربية التي طحنتها أحداث فوضى السنوات الماضية، ما زالت تعاني آلاماً تشبه المخاض تماماً، مخاض الولادة والنجاة من ذلك المصير الذي نجت منه بأعجوبة، ذلك المصير الذي أراد الدمار والخراب لدول عظيمة يقدر امتدادها الحضاري في الزمن بآلاف السنين. ولعل مصر هي النموذج الأكثر سطوعاً بين هذه الدول التي نجت من مصير أسود دُبّر لها لتصبح دويلات طائفية متناحرة تتناوشها تنظيمات إرهابية من جهة، ويسلط عليها سيف الفوضى والفساد والفقر من جهاتها الباقيات، فتصبح كعصف مأكول، كما خُيّل لأصحاب مشروع الفوضى، لكن وعي الشعب وإرادة الله وتكاتف الأشقاء وآلاف السنين في عمق الحضارة ووعي الدولة فوّتت على المخططين هدفهم، مع ذلك فإن ارتدادات الزلزال ما زالت ماثلة!
نجت مصر، وستخرج سوريا من عنق الزجاجة عاجلاً أم آجلاً، وأما العراق فما من شك أنه برغم عظمته في ميزان الحضارة، فإن للطائفية الدينية والتمذهب والتحزب والأنانية تأثيراً قاتلاً مدمراً إذا استحكمت وأعطيت المجال، وقد أتاحت لها بعض الشعوب المجال لتدمير بلدانها بسبب ديكتاتورية الأنظمة، وتدخلات القوى الإقليمية والدولية صاحبة المصالح، وإن لم تعِ هذه الشعوب أخطاءها الجسيمة التي وقعت فيها، فإن الأمور لن تذهب باتجاه الإصلاح والخروج من النفق للأسف في سوريا كما في العراق وليبيا .. إلخ!
إن «فيسبوك» وبقية منابر الإعلام الجديد لن تحل مشكلات الأمة، ولن تخرجنا من دوامة التردي الحاصل والشكوى وتبادل الشتائم ونقد الأنظمة والحكومات وتكبير السلبيات، وعدم الاعتراف بوجود نور في آخر النفق، مهما كان ضئيلاً، لن يغيرنا إلى الأفضل ما لم نغير أنفسنا، تلك قاعدة كونية ثابتة (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، ولذلك فإن على كل فرد في المجتمع دوراً يجب أن يؤديه، ليس لفائدته الضيقة، ولكن لفائدة المجتمع، وهذه هي الفائدة الحقيقية في أوسع تجلياتها!
إن مشكلة معظم الناس في الوطن العربي أنهم لا يعملون بجد لتغيير واقعهم، كما لا يعترفون بالتغيرات الجيدة التي تحدث حولهم ما لم يستفيدوا منها، ومعلوم أن منهج الأنانية لا يبني ولا يطور، لذا على الإنسان أن يرى التغيير، وأن يعمل لتوسيع نطاقه قدر استطاعته، أما التفوق في النقد وتضخيم سلبيات الحكومات وعدم الاجتهاد لتحريك أي وضع للأمام والجلوس بتشاؤم والبكاء على الماضي، بينما الحياة تسير وتتقدم فلا فائدة منه.