بقلم - عائشة سلطان
لا فراغ في الطبيعة، وأيُّ فراغ يحدث سرعان ما يتم ملؤه في الحال. ذلك أن الطبيعة تكره الفراغ، كما يقول العلماء، وفي أبسط الأمثلة فإن الكأس التي نصفها ماء لا يكون نصفها الآخر فارغاً، حتى وإن لم ترَ عيوننا الهواء الذي يملأ النصف الباقي، إلا أنه موجود حتماً.
نظرية ملء الفراغ هذه هي ما بقينا نعاني منه تاريخياً في حياتنا العامة، ففي السياسة قديماً إذا انسحبت دولة احتلال من بلاد عربية محتلة فإنها لا تبقى فارغة، إذ سرعان ما تحلّ محلها سلطة أخرى. لا يهم إن كانت أفضل أو أسوأ من سابقتها.
وفي اليومي والمعتاد في حياتنا نجد أحدهم وقد انفصل عن شريكه، فإذا به يشعر بالفراغ الذي هبط فجأة على حياته وكأنه ثقب أسود يكاد يلتهمه، فيركض لأقرب بديل يملأ به ذلك الفراغ: يرتبط بشريك آخر، يتزوج سريعاً متوّهماً الاستقرار، يسافر هرباً، يدمن عادةً ما، يقترب أكثر من أصدقائه.. إلخ. المهم ألا يظل الفراغُ فراغاً!
في أنظمة الحكم الديكتاتورية، فإن الحاكم بأمره ليس مجرد فرد، إنه نظام متكامل يسيطر على سلطات دولة. نظام لم يأتِ من الفراغ، لكنه أتى ليسد الفراغ. وكلما زادت الفراغات نمت الديكتاتورية أكثر، واحتلت مساحات أكبر، طردت مَن كان فيها وملأت مكانه.
إن مَن يصمت في وجه الديكتاتور خوفاً أو تربحاً هم الذين يصنعون الفراغات التي يتمدد فيها جسد الديكتاتور وأذرعه، وكذلك أولئك الذين يحرسونه ويستفيدون منه، الذين يبررون وجوده ويعتبرونه الشكل الأفضل لمواجهة أي فراغ قد يقود البلاد والعباد للهاوية، فهو الفراغ الأفضل إذن!
إن هذا الديكتاتور، ولكي يبقى طويلاً، فإن عليه أن يقتات على فراغ القلوب الممتلئة بالخوف وانعدام النضج والأنانية وقصر النظر لمعنى الصالح العام، هؤلاء الفارغون من الإيمان بالآخر وبالإنسان وبالمصالح الجمعية، هم الذين يوفرون الفراغات اللازمة، ويحرسون الفساد ليتمدد الديكتاتور أكثر!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن جريدة البيان