بقلم : عائشة سلطان
في أسفارنا وكل تنقلاتنا عبر العالم، يجوب المسافرون طرقات الدنيا معتمدين على أنفسهم وعلى التكنولوجيا، ما عاد أحد في هذه الأيام يلجأ إلى ما كان معروفاً بمكاتب السفر والسياحة، بعد أن اجتاحتنا ثورة المواقع التي توفر خدمات السفر والسياحة عبر العالم بكل تفاصيلها؛ حجوزات التذاكر والفنادق وسيارات الأجرة عبر الإنترنت، الأمر الذي نقل السياحة إلى منطقة الثقافة فعلاً، ومنح السفر مفهوماً مختلفاً وواسعاً جداً، وجعله في متناول الجميع من دون استثناء عندما فتح أمام المسافرين آفاقاً لا حدود لها من حيث الخيارات!
اليوم، ما عادت مدن الثقافة الكبرى، وبلدان السياحة العالمية، والمتاحف الضخمة، والقصور التي لطالما سمعنا عنها في الروايات والكتب، ومنتجعات المدن الصغيرة، وقرى الاستشفاء التي لم يسمع بها أحد، والبحيرات والغابات العذراء المختفية في تلافيف الخرائط، لم يعد شيء من هذا سراً أو حكراً على أحد، لم يعد أحد بإمكانه أن يتباهى أو يتعالى على أحد بأسفاره أو بإمكاناته الذهاب إلى حيث لا يستطيع الآخرون، لقد غيَّرت التكنولوجيا جميع المفاهيم، وأعطت للسفر بعداً إنسانياً كأحد الحقوق المكفولة للجميع، ودون وسيط!
يعلّمنا السفر الكثير، إضافة إلى تلك التي جاءت في بيت الشعر الشهير المنسوب إلى الشافعي، وهي: تفريج هم، واكتساب معيشة، وعلم، وآداب، وصحبة ماجد.
يمنحنا السفر، اليوم، اتساعاً هائلاً في النظر إلى الأمور، والنظر إلى النصف الملآن من الكأس، والقبول بالإنسان حيثما وكيفما كان، والقبول بالأمر الواقع حين لا تتفق حقيقة الواقع مع صور الإنترنت، إذا أخطأ في الاختيار أحياناً، فالنظر إلى الغابة أفضل بكثير من الاكتفاء بالشجرة.
السفر ليس فندقاً فقط، ثم إن الخيارات كثيرة، وفي الترك راحة طالما أمكننا ذلك، المهم أن نجعل أسفارنا تجربة إضافية في رصيد إنسانيتنا بدل أن نحوّلها إلى أيام مهدرة بلا قيمة، فالسفر إطلالة على الحياة نتنفس فيها ملء رئتينا وعقلنا وروحنا، برفقة أناس يجعلون التجربة أكثر عمقاً.