بقلم - عائشة سلطان
للناقد الفرنسي رولان بارت كتاب ذائع الصيت عنوانه «موت المؤلف»، بمعنى انتفاء سلطته على النص، بعد أن يصبح بين يدي القارئ، بحيث يحق لهذا القارئ أن يقيّم المكتوب كما يشاء، وأن يعجبه أو لا، يرفضه أو يقبله، ذلك أن كليهما (النص والقارئ) متحرر من وجود الكاتب وهيمنة حضوره على النص، وبذلك تصبح العلاقة متحررة ومفتوحة على كل الاحتمالات. وهنا لابد من توضيح أن هذه العلاقة لا تُمنح لأي قارئ بطبيعة الحال.
وفي ذلك يقول أستاذنا عبدالله الغذامي: «إن مقولة موت المؤلف لا تعني إلغاء المؤلف نهائياً، بقدر ما هي عملية تحرير النص من سلطة المؤلف وخضوعه للقارئ، أي عملية عقد قران بين النص والقارئ، ومن ثم الاستفادة من خبرات المؤلف في مباركة هذه العلاقة، وهذا يحتاج إلى قارئ جيد ومثقف لكي يفهم ما كان يعنيه المؤلف ولو بشكل عام».
أعتقد أن الأمر أيضاً يحتاج لمؤلف متفهم، قادر على استيعاب مفهوم الكتابة، ومفهوم أو وظيفة القارئ، فالقارئ ليس عابر طريق في عالم النص المكتوب، بل هو الفاعل الحقيقي المهم بعد المؤلف، إنه يختلف عن متفرج السينما أو مشاهد التلفزيون الذي يتلقى المشهد دون قدرة على معالجته وإبداء الرأي فيه، بل ورفضه والارتباط به.
ربما بسبب السرعة التي يعبر بها المشهد أمامه، أما طبيعة النص المكتوب فتختلف، من هنا يحتاج الكاتب لدرجة عالية من النضج والوعي والثقة، كي يكبح قوة اعتداده بذاته الكاتبة أو أناه العليا ليترك للقارئ الحكم على النص، والقارئ هنا هو ذلك البعيد المحايد الشرس صعب الإرضاء وليس القارئ الصديق الحبيب المجامل!
مهمة الكتابة صعبة، وتحوّل الكاتب إلى قارئ شرس لكتاباته هي الوصفة السحرية للتخلص من الغرور الشائع بين الكتاب، ومن الحساسية المفرطة، ومن الاعتقاد بأننا أعظم كتاب العالم؛ لأننا كتبنا مقالات عدة أو كتباً عدة، فهذا لقب لم ينله تولستوي وديستويفسكي إلا بعد وفاتهما!