عائشة سلطان
منذ نشأتها من سنوات بعيدة، و«بحر الثقافة» مؤسسة معنية بجذر الثقافة ومدخلها الأول وهو القراءة، ولأجل ذلك أوجدت منذ تلك السنوات صالوناً أدبياً للقراءة ضم مجموعة من المثقفات والمهتمات والراغبات في الاطلاع والاقتراب من عالم القراءة والكتب والكتاب، وبمرور الوقت كانت الأعداد تتزايد والفضول يتحول إلى اهتمام والاهتمام إلى انشغال حقيقي واشتغال دائم ينحت مفهوم وتبعات وسلوك القراءة في نفوس المنضمات لذلك الصالون، واللواتي كن في الحقيقة مجموعة من العاملات في الوظائف العامة وشأن الخدمة المجتمعية وفي وظائف مرموقة ونافذة جمعهن حب الكتب!
ثم تحول الأمر إلى إصرار على توسيع نطاق الفكرة لزيادة دائرة الفائدة والمستفيدين، فكان أن تم التعاون بين مؤسسة بحر الثقافة في أبوظبي وندوة الثقافة والعلوم بدبي، المؤسسة الثقافية العريقة والرائدة في مجالها وبأسماء مؤسسيها والقائمين عليها، فكان أن أعلن منذ قرابة الشهرين صالون القراءة الثاني الذي أصبح يَعقد جلساته تحت مظلة الندوة بشكل شهري ومنتظم، وبدعم مشهود من إدارتها، إضافة إلى كثيرين وجدوا في الصالون متنفساً طالما انتظروه.
أما المفاجأة التي أشعلت الأمل فينا جميعاً إلى جانب الإقبال المبهج من قِبل محبي القراءة، فتمثلت في حضور أسماء كبيرة تكرست كرموز حقيقية بفضل مسيرتهم وإسهاماتهم ومنجزهم الثقافي في المجتمع كالأدباء الأفاضل محمد المر وعبد الغفار حسين، إضافة إلى عدد من الأكاديميين والروائيين المعروفين.
إن هذا الحرص على الحضور والمشاركة من جانب هؤلاء برغم انشغالاتهم التي لا تحصى لدليل على ديناميكية المثقف وأهمية دوره، وعلى ديناميكية الإمارات كمجتمع متطور، خاصة أن الدولة بقادتها ومؤسساتها تمنح كامل دعمها لإنجاح مبادرات القراءة بين الشباب وطلاب المدارس وكل أفراد المجتمع، دون أن ننسى عام القراءة الذي سمي كذلك إعلاء لقيمة القراءة والرغبة في تحويلها إلى سلوك مجتمعي عام.
لذلك فحين وقف أمامي «إسماعيل» معتذراً عن تأخره في الوصول إلى جلسة المناقشة الأخيرة، وهو الطالب الذي بالكاد أنهى محاضراته مساء ليمضي قرابة الساعة يصارع زحام المدينة كي يصل إلى مقر الندوة ويحظى بفائدة مناقشة عوالم الأديب أمين معلوف، أحسست بمدى صدقه وبحجم الأمل الذي زرعه في داخلي من أجل تغيير صورة الشباب الذي لا يقرأ، أما «مريم»، طالبة الثانوية التي تكبدت قطع مسافات من إمارتها إلى دبي لتحضر الجلسة، وتناولني ذلك الكتاب بشديد تهذيبها، فقد حفرت في قلبي نهراً من البهجة لم يغادرني حتى اللحظة!
نقلا عن البيان