بقلم - عائشة سلطان
تقول أمي كلاماً على دارج عادتها في الحديث، وتضمنه خلاصات عميقة، على هيئة حكمٍ سمعتها من نساء تربت على حكمتهن، أو أمثال دارجة، مما يتناقله أهل التجربة، فيما أفكر بأنها امرأة لا تستحضر الخلاصات فقط، بل هي قد عاشت هذه التجارب حقاً، بل ويتراءى لي أنها عاشت عمراً أكثر مما يبدو عليها.
مما تردده أمي قولها: «الناس يتحدثون عنك دائماً، سواء أحسنت أو أسأت، وسواء علموا أو جهلوا»، والخلاصة: أرح رأسك من التفكير في آرائهم، ثم تردد هذا المثل: «الناس إذا شافوك في خير حسدوك، وإذا شافوك في شر ضحكوا عليك»، والخلاصة ذاتها!
تقول الحكاية: إن امرأة صدمت بخيانة زوجها، وبعد أن بكت وابتلعت غصتها، مضت بعيداً، واختفت عن الجميع، بل وصمتت إزاء الشائعات التي كانت تصلها من الناس، وحتى من بعض أقربائها، ممن لا يعلمون الحقيقة. وحين تعافت من الصدمة، بدا لها كل ما سمعته مجرد آراء تنم عن جهل وتسرّع في الحكم، وعدم فهم، وبعضه ينم عن حسد وغيرة!
لاحقاً، أسرّت لإحدى صديقاتها بأن زوجها كان الشخص الوحيد الذي يشعرها بالأمان والأهمية، بعد الحادثة التي تعرضت لها، أيقنت أنها كانت واهمة، كمعظمنا، حين نعتقد أن شخصاً ما هو ما يجعلنا سعداء أو متماسكين!
يحتاج الإنسان إلى أن يعرف على وجه الدقة، أن ما يجعله متماسكاً في مواجهة الظروف والقسوة، لا بد أن ينبع من داخله، إلا أن المعرفة وحدها لا تكفي، إذا لم يكن بمقدورنا أن نتخطى سطوة آراء الناس، التي قد تتحول أحياناً إلى آلة قاسية وبلا قلب، نحن نحتاج إلى أن ننتبه لأنفسنا، أكثر مما نركز على اشتراطات الآلة، بينما نحتاج إلى أن نعتني بأنفسنا، لا بآراء الآخرين.