بقلم - عائشة سلطان
حين كنت صغيرة، لا تصورات لدي عن العالم خارج أسوار المنزل، لم أعرف ملمس الورق بعد، ولا من أين تأتي الدفاتر والكتب، كانت أمي تقول لمن حولها «بمجرد أن تعرف ابنتي الكلام سألحقها بالمدرسة» هذا ما روته لي بنفسها حين كبرت!
كانت والدتي شغوفة بالكتب والقراءة، رغم أنها لم تحظ بفرصة التعلم، إنها تنتمي لجيل من النساء الصابرات، اللواتي ولدن في بلاد كانت لأهلها كخيمة كبيرة لا يحيطها سوى الرمال والبحار والكثير من الحرمان، كانت أمي تنظر للسماء وتبتسم لي ممتلئة بالأحلام والأمنيات دائماً.
حين دخلت المدرسة، كانت تنتظرني وأنا عائدة لتسألني السؤال نفسه كل يوم: ماذا أحضرت لي اليوم؟ كنت أفتح الحقيبة وأخرج لها القصة، كنت لا زلت صغيرة جداً، ولا أعرف شيئاً عن العالم إلا من خلالها وحكايات تلك القصص!
كنت أقرأ لوالدتي فأراها تبتسم مغمورة بالسعادة، كمن حظي بهدية قيّمة، كانت تنتصر على قسوة الدنيا من خلال هذه الصغيرة التي عرفت الطريق لتفكيك طلاسم الكلمات المكتوبة، كنت أقرأ لها وأظل أقرأ بلا توقف، لقد كانت القصص بالنسبة لي عالماً يذهب بي بعيداً، ويجعل أمي فخورة ومكتفية!
اليوم كلما سُئلت كيف أصبحت كاتبة، ومن علّمك أبجديات الكتابة؟ أقول إنها أمي التي لم تكتب حرفاً ولم تقرأ غير القرآن، هي التي فتحت أمامي مغارة اللغة باكراً، وأجلستني أمام موقد المعرفة لأزداد دفئاً واتقاداً، وعقدت صداقة قوية بيني وبين الكتاب لا مجال لفصم عراها.
منذ كنت صغيرة لا أعرف شيئاً مما يدور خارج أسوار بيتنا، كان منتهى سعادتي أن تكون أمي سعيدة، اليوم أحسبها فخورة بي، فإذا كانت، فقد نلت المجد من كل جوانبه.