بقلم - عائشة سلطان
يثير البعض شهية الضحك بتصرفاته التي يحاول أن يظهر فيها كبيراً، شاهق المكانة والقدرات، فيظهر ودون أن ينتبه أو يتوقع أشبه بالمهرج أو الأراجوز، عندها ماذا يمكنك أن تفعل سوى أن تضحك؟ وإن كنت تعلم بأنه إنما فعل ما فعل ليستفزك أو ينال منك أو يظهر أمامك باعتباره صاحب شأن وحول وطول.. البعض مسكين جداً إلى درجة مضحكة فعلاً، لذلك تضحك!
والضحك كما هو معادل للسخرية تحت مظلة الانتصار للنفس، فإنه يمكن أحياناً أن يكون وصفة أو مضاداً طبيعياً للنسيان، وربما لهذا السبب جمعهما الروائي المعروف ميلان كونديرا، في كتابه الذي سمَّاه «الضحك والنسيان»، معتبراً أن الذين لا يتقبلون الهزل أعداء حقيقيون للضحك، ومقسماً الأشخاص إلى نوعين: هزلي ومقدس!
هناك أشخاص معنا وحولنا، موجودون في كل زمان ومكان، سمَّاهم كونديرا «أعداء الضحك»، وهؤلاء كما يصفهم في كتابه أناس نزيهون ومحل احترام، إضافة إلى أنهم أذكياء وأصحاب أخلاق جيدة، وليس هناك ما يمس عقولهم، لكنهم لا يقدرون على التعامل السلس والتلقائي مع الضحك، وإن عدم قدرتهم هذه كامنة في أعماقهم لا يمكنهم تغييرها أو فعل شيء إزاءها!
الضحك لم يولد مع الإنسان، فمعروف أن الإنسان ولد باكياً، ومنذ يولد حتى يغادر الحياة ثانية محصور بين قوسين، يشكل ما بينهما جملة الحياة كلها: (الميلاد والموت) في الميلاد يأتي الإنسان باكياً، وفي الموت يذهب وهناك باكون عليه، لكن لا ضحك في الحالتين.
الضحك من مكتسبات الثقافة والزمن، وهي مكتسبات عظيمة حقاً، لذا فإن الضحك حتى اللحظة ليس في متناول الجميع، فطوبى لمن كانت حياته صعبة وحياته قاسية تتقطر ألماً، ومع ذلك فإنه يقفز أو يهرب من كل آلامها إلى مكان أكثر رحمة، إلى حيث يضحك وينسى ويبتسم متفائلاً.