بقلم : عائشة سلطان
الإبداع الإنساني كله مبجل ومحل تقدير كبير، ليس بسبب الأسماء التي تنتجه، ولكن لما يضمره هذا الإبداع من دلالات وتأثيرات، فوجود الإبداع بجميع أشكاله: الشعر، النقد، الرواية، المسرح، الموسيقى، القصة القصيرة، الفنون التشكيلية.. إلخ، دليل على حيوية المجتمع وتطوره وصحته واستعداده للتغيير عبر أكثر الطرق سلاماً وتحضراً.
إنه لا يمكن تصور مجتمع خال من الإبداع، فحتى عند أكثر التجمعات الإنسانية بدائية يظهر الإبداع عبر الحياة اليومية للناس، كالرقصات، والموسيقى، والغناء، لذلك فازدهار الإبداع دليل على قدرة المجتمعات على فهم نفسها، وعلى استيعاب الآخر، ونجاحها في التواصل مع الظاهر والخفي في هذا الكون، وهنا تكمن الحكمة وتتمركز فلسفة الإبداع والفن والأدب.
يظهر الإبداع أيضاً مقدرة الإنسان والمجتمعات على إنتاج سرديات جديدة باستمرار، قد تتحول إلى آثار خالدة مع الزمن، فالخلود ليس حكراً على المعارك والفتوحات والفاتحين، فمسرح شكسبير خالد، كذلك مسرح توفيق الحكيم، وروايات نجيب محفوظ، وألف ليلة وليلة، ولوحات مايكل أنجلو، والكتابات على معابد السومريين والبابليين وقدماء المصريين، وأفلام السينما العظيمة كفيلم العراب مثلاً..
هذه سرديات كبرى خالدة، لكنها مكملة لما هو موجود في هذا العالم، هذا يعني أننا حينما نكتب رواية أو نرسم أو نؤلف موسيقى أو نقدم مسرحاً واعياً، فإنما نمارس فعل تواصل وتفاهم مع الآخرين بلغة يفهمها الجميع دون كلام أحياناً، فنحن لا نحتاج إلى أن نجيد الإسبانية لنفهم لوحات بيكاسو، ولا الإيطالية لنفكك إبداع دافنشي، ولا الألمانية لنستمتع بسيمفونيات بيتهوفن، تماماً كما يحضر يابانيون وفرنسيون إلى حفلات فيروز ليستمتعوا بصوتها وموسيقى الرحابنة!
لهذا يستحق الإبداع أن يزدهر ويحتفى به ويقدر؛ نظراً لما يمثله ويعنيه في تاريخ الإنسانية، وألا يترك للجهلة يقيّمونه وفق مرئياتهم الأيديولوجية أو الضيقة!