بقلم : عائشة سلطان
في عمر الدول لا يُقاس الزمن بالأيام والسنوات، من هنا فإن بضع سنين لا تعني شيئاً في تاريخ دولة عمرها 10 آلاف عام مثلاً، إن عمر البشرية طويل جداً ومليء بالأحداث العظيمة، بالانتصارات والاختراعات والمنجزات، كما بالهزائم والانكسارات، تاريخ غني وعميق ومؤثر جداً، لذلك فالشعوب ذات التاريخ الضخم تتمتع بالحكمة والصبر والقدرة على الاحتمال، كما أن وعيها بالتاريخ، يجعلها لا تخاف من الزمن ولا من طوارئه.
تلك شعوب لا تتعاطى مع الأحداث برعونة ولا باستخفاف، وحين تتحرك بهذه الحشود الضخمة فإنها تعرف ماذا تريد، وكيف تصل إليه، كما تعلن الخيانات والدسائس التي ستقذف بها في الطريق، هذه شعوب لا تستهين بقدراتها ولا مقدراتها.
صحيح أن كثيراً من هذه الشعوب تعيش في ظل ظروف بائسة، وتتعرض لنهب مقنَّن من قبل حكامها وسياسييها، دون أن تتلقى الخدمات ومستوى الحياة اللائق بها، ومع ذلك فإنها تصبر وتمضي برضا وقناعة ظاهريين، إلا أن هذه الشعوب سرعان ما تعود لرشدها الحضاري ووعيها بحقوقها، فنجدها تعدّل مسارها الراكد وتصحو كماردٍ مقررة الحصول ولو بالقوة على ما يليق بها من حقوق وخدمات كأي أمة حرَّة.
تنتفض الشعوب دائماً في لحظة يأس هائلة، حين يكون التعدي عليها أكبر من قدرة الصبر عندها، وحين تصل اللامبالاة بها إلى درجة امتهان إنسانيتها، وسرقة قوت عيالها، لحظتها لا يكون لديها شيء تخسره، فتمضي بعنادها المحق حتى آخر الشوط، رغم الألعاب التي تمارسها السلطة ورغم التحايل والخدع الغبية لامتصاص نقمتها، لقد فعل كل السياسيون في لحظة الانهيار الشيء ذاته.. وبلا فائدة!
هكذا تصرف المصريون في كل ثوراتهم على الاحتلالات المختلفة، وعلى الطغاة الذين حكموا واستبدوا بمقدراتهم، وهكذا فعل العراقيون والسوريون واللبنانيون اليوم، صحيح أنهم انتظروا طويلاً، لكن شعوباً كهذه تحتكم لمعادلاتها الخاصة بها، جديرة بأن ننحني لإرادتها ومطالبها النبيلة.