بقلم : عائشة سلطان
يصح اعتبار القراءة الجيوسياسية التي قدمها أمين معلوف عبر كتابه الأخير «غرق الحضارات» الصادر منتصف عام 2019، لأوضاع العالم ومصيره انطلاقاً من المشرق، قراءة رجل شاهد بأم العين عاصفة التحولات التي قلبت أوضاع العالم، وقادت عالمنا العربي إلى حالته الراهنة التي نعرفها جميعاً.
في «غرق الحضارات» يستكمل معلوف تحليله للمشهد السياسي العام في المشرق العربي، هذا المشهد الذي بدأ يتشكل في بدايات القرن الماضي بعد حركة الاستقلالات العربية الكبرى، وخروج الشرق من حكم المستعمر الغربي إلى حكم أنظمة كانت في معظمها شمولية ديكتاتورية لم تفعل شيئاً أكثر من مضاعفة حالة التخلف، فإن احتد أحد للدفاع عن بعضها نافياً عنها هذا الاتهام، لن يتمكن من الادعاء بأنها أسهمت ولو قليلاً في تنمية بلدانها أو دفعها للأمام.
يأتي هذا الكتاب كجزء ثالث في قراءة متسلسلة للمشهد بدأت بـ«الهويات القاتلة»، الذي تحدث فيه عن بزوغ عصر الهويات المتشظية واقتتالها بادعائها الأفضلية التي تدفعها لعدم الاعتراف بالآخر أو الرغبة في التعايش معه، لتقود إلى الجزء الثاني وكتابه «اختلال العالم» حينما وصلت المنطقة للاختلال الكامل لمجمل النطاقات الحضارية فيها عندما سيطرت الديكتاتوريات وتنامت التيارات المتطرفة.
وها نحن اليوم في «غرق الحضارات» نشهد توجس معلوف من النهاية الحتمية التي يقول إنه دائماً ما يجد نفسه أمام صورتها المتجلية في سفينة مبحرة في محيط متلاطم بينما جبل الجليد الذي سيغرقها ماثل أمامها بوضوح دون أن تتمكن من تحاشيه! يعتبر معلوف أن بدايات انهيار الحالة المستقرة التي كان يراها كحلم عاش لطالما صدقه بالوراثة عبر أحلام ورثها من والديه، تقوم على أن الناس في الشرق كانوا مستعدين ذات يوم للتعايش مع المختلفين عنهم، لكنهم يوم نحّوا هذا الخيار بدأوا انحدارهم نحو الغرق.