بقلم - عائشة سلطان
بعد أن ينتهي من قراءتها، سيجد قارئ هذه الرواية نفسه أمام أسئلة وجودية كبيرة، وقبلها سيحار في تحديد الفكرة التي أرادت الكاتبة آني إرنو، طرحها للمناقشة؛ فهل تناقش رواية «الاحتلال» موضوع الغيرة النسائية أم الوحدة والندم والشعور بالقلق والملل اللذين يدفعان الإنسان باتجاه قرارات مصيرية خاطئة، بهدف التخلص من أزماته الضاغطة في مجتمعات اليوم المأزومة؟ أم هو موضوع السعي للخلاص الفردي والحرية وتجريب الحياة، في ظل الاستغناء عن الشريك، لاختبار نكهة وشكل الحياة في ظل هذا الفراغ أو الاستغناء؟
أم أن الرواية أبسط من ذلك بكثير، حيث تتعرض الكاتبة لموقف شعوري منهك (وهو تصورها أن امرأة أخرى قد أخذت مكانها في حياة رجل تعتبره ملكها)، ما يدفعها للانسياق وراء إكراهات هذا الشعور ومتطلباته العاطفية الملحة، حتى يتحكم فيها ويوجهها باستسلام كامل، لا ينقذها منه سوى الكتابة حول ما تمر به أولاً بأول، وهو ما سمّته الكاتبة «الاستشفاء بالكتابة»!
تحكي الرواية عن امرأة تقرر فجأة وبعد 18 عاماً من الزواج الانفصال عن زوجها، بعد مدة تعرف أن هذا الزوج ارتبط بامرأة أخرى، وهنا يبدأ كل شيء في الانهيار حولها، فتلك (المرأة الأخرى) تتحول إلى هاجسها الوحيد حتى تحتل عقلها تماماً، فهي تفكر بها ليل نهار، تلاحق اسمها وتاريخها وتفاصيل ثيابها ومقاسات أحذيتها، وتتخيل كل الأشياء العادية واليومية والحميمة وحتى السخيفة التي قد تفعلها مع زوجها في كل لحظة!
ولأن الأمر وصل إلى هذا الحد، فقد خرج عن كونه مجرد غيرة إلى حالة احتلال حقيقية تمارسها تلك (المرأة الأخرى) التي حلت مكانها في حياة زوجها، إنه «احتلال» من نوع آخر، وقد وفقت الكاتبة آني إرنو التي تشكل علامة فارقة في المشهد الثقافي والإبداعي الفرنسي، في اختيار هذا العنوان، متجنبة العنوان التقليدي «الغيرة»!