بقلم - علي ابو الريش
عندما أتذكر الأيام التي مرت بنا، إخوتي ووالدي وأنا، وتلك السنوات المختلفة تماماً عن سنوات اليوم، التي تقاسمنا أيامها ولياليها منذ السبعينيات وحتى مطلع الألفية الثالثة، تنقلنا خلالها عبر أكثر من حي من أحياء دبي، أقمنا خلالها في بيوت شديدة البساطة لم تعرف مطلقاً ترف غرفة لكل شخص، وجهاز تلفزيون لكل غرفة وفناء واسع يلعب فيه الصغار الكرة... إلخ، ذلك مما لم يخطر لنا على بال من الأساس، ومع ذلك فقد كنا حسب ما تحتفظ به ذاكرتنا نعيش بما هو متوافر، وما كان متوافراً كان كافياً ومقنعاً جداً.
هذا الجيل الذي عاش سنوات البدايات، ما بعد الطفرة بقفزة، وما قبلها بسنوات مازالت مطبوعة في أذهاننا وشخصياتنا، ليس من السهل نسيان تلك الوقائع التي تركت بصماتها فينا وفي طبيعة العلاقات التي ربطتنا ببعض، في تقييمنا للخير الذي تدفق على الناس بعد قيام دولة الاتحاد، وفي طبيعة التنشئة والقيم التي نشأنا ونحن نتلقنها في البيت، في المدرسة، في التلفزيون، في بيوت الجيران، ما يجعل فهم الاختلاف عن جيل اليوم مفهوماً جداً ومبرراً.
لم يتسرب إلى قلبي في أي يوم أننا حرمنا مما يحظى به جيل اليوم الذي اتسعت الفجوة بين أبنائه حد الغربة والاغتراب، وحد أن يستنجد ابنك بقاموس أكسفورد ليستحضر اسماً أو فعلاً من صميم لهجته، لذلك لم أتمنَ يوماً أنني ولدت في هذه السنوات التي برغم ألق الرخاء وأشياء كثيرة تخطف القلب فيها، إلا أنني أعتقد بأن طفولة أكثر ثراء وعمقاً قد عشناها في تلك السنوات البعيدة، التي كلما تذكرناها لمعت عيوننا بألف ذكرى وانهمرت على ذاكرتنا ألف قصة وقصة.