نحن والكثير من الأقنعة

نحن والكثير من الأقنعة!

نحن والكثير من الأقنعة!

 صوت الإمارات -

نحن والكثير من الأقنعة

بقلم : عائشة سلطان

قلت لصديقة عزيزة يوماً، لماذا تجتهدين لتظهري أمام البعض بأنك شخص ساذج، لا علاقة له بالثقافة والأفكار العميقة، مع أنها كانت من العمق وكثافة التجربة الحياتية وحدّة الذكاء ما يجعلني أتساءل لماذا تصرّ على أن تبدو خلاف ذلك أمام محيطها المقرّب من الصديقات والجارات!

كان جوابها: تلك أقنعة نرتديها أمام البعض لأنهم يشعرون بالاطمئنان حين يرون هذا الوجه تحديداً! إن الوجه المخالف لما اعتادوا عليه يبدو متعالياً عليهم لذلك يرفضونه، أنا لا أتخلى عن شخصيتي، لكنني أتنازل لهم قليلاً كي يشعروا بالارتياح، إننا نعيش وسط مجتمعات تفضلك ساذجاً، وذا اهتمامات تافهة، تفضلك بسيطاً تنزلق على تفاصيل الحياة كسحلية لزجة على سطح أملس، أما أن تأخذ الأمور بجدية وتبدو مثقفاً وعميقاً فستتهم بأنك «مثقف ومعقّد ومغرور»، وسينفضّون من حولك، هذا هو الثمن.. لم أقتنع بحديثها، لكنني أقدر أن لكل إنسان خياراته!

حين نكون صغاراً نحلّق بأجنحة من أحلام ونجري بأحذية من ريح، نصل إلى آخر المدى في كل شيء ، نذهب إلى حيث تأخذنا أقدامنا، نفعل ما يخطر ببالنا، لا نفهم معنى الوقت، ولا معنى الموت، ولا ماهية الألم، أقصى آلامنا حين نتعثر بحجارة الطريق، ومنتهى سعادتنا حين نخرج إلى فضاء الأزقة متحررين من الأوامر والنواهي الأسرية، لا نحب أقنعة أمهاتنا ونخاف من براقع جداتنا (البراقع أقنعة في نهاية الأمر). وكلما كبرنا ثقلت أجسادنا عن الذهاب إلى آخر الشارع، وثقلت أرواحنا عن احتمال أحلامنا، فنضعها جانباً متعللين بالظروف وصعوبة الأحوال، ونبدأ في اختيار الأقنعة!

تنتابنا حالة الفقد إزاء أصغر المواقف، وتهطل الذاكرة كسماء لا تعرف التوقف، هطول الذاكرة ينعش يباس القلب وينزع الأقنعة كلها، فنحن نراكم أقنعة من كل الأشكال بقدر ما نراكم همومنا، ونتخلى عن أن نكون نحن كما يجب أن نكون، لذا فربما يتحول القناع في لحظة ما إلى جزء منا، أو يصير «نحن» في نهاية المطاف، عندها يكون الأمر قد انتهى ونظل نتحرك كأشخاص منفصلين عن مداراتنا الحقيقية ككوكب فقد مداره وخرج عن جاذبيته بشكل نهائي!

ليست طفولة أو مرضاً أو سعياً للألم أن ننزع الأقنعة ونعود إلى ذاكرتنا وأن نقلبها أو نبحث فيها، الأمر قد يكون مؤلماً لكنه إنساني جداً في عالم يتحول كل لحظة ويسعى كباره إلى تحويلنا إلى مجرد أشياء تستهلك أشياء، تمهيداً لتحويلنا إلى روبوتات أو كائنات آلية، نحن حين ننفصل عن حقيقتنا نصير مخلوقات آلية، ويصير كلُّ شيء متشابهاً ولا يثير فينا أي حساسية من أي نوع.

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
المصدر: البيان

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نحن والكثير من الأقنعة نحن والكثير من الأقنعة



GMT 09:11 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام قطرية – تركية لم تتحقق

GMT 09:06 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تذكرة.. وحقيبة سفر- 1

GMT 09:03 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما تصادف شخصًا ما

GMT 08:58 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

اختبار الحرية الصعب!

GMT 00:41 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

وماذا عن الشيعة المستقلين؟ وماذا عن الشيعة المستقلين؟

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يحمل إليك هذا اليوم كمّاً من النقاشات الجيدة

GMT 14:38 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 18:45 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 11:33 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 16:51 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

اضيفي اجواءًا جريئة ومشرقة على جدران المنزل

GMT 20:37 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

مطعم ياباني يقدم وجبات لحوم البشر بـ 20 ألف جنيه

GMT 17:53 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

ندوة لمناقشة رواية "منتصر" في مكتبة "البلد"

GMT 04:12 2020 السبت ,09 أيار / مايو

برشلونة يقترب من حسم صفقة نجم يوفنتوس

GMT 11:39 2019 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كيت ميدلتون توضح تفاصيل اللقاء الأول مع الأمير وليام

GMT 04:07 2019 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

انتقادات قوية لرئيس بريشيا الإيطالي بسبب بالوتيلي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates