بقلم : عائشة سلطان
ركزت معظم تعليقات القراء الذين تناولوا مقال الأمس حول التأويل على مسألة أن الرقيب أو القراء لم يؤولوا رواية محفوظ «أولاد حارتنا» بشكل سيئ، أو بطريقة خاطئة، وأن نجيب في الحقيقة قصد ما ذهب إليه تفسير الناس حول قصة الخلق والخالق والأنبياء!
لا بد من توضيح أمر مهم هو أن الخلاف في حقيقته لم يكن حول التأويل بحد ذاته، فنحن لا نستطيع منع التأويل أو شطبه بجرة قلم، لأننا أمة ذات ذهنية تأويلية صرفة، وتاريخنا تاريخ تأويلي في معظمه، وعلى هذه الذهنية قامت ملل ومذاهب ونحل (الخوارج، المعتزلة.. إلخ)، كل هؤلاء قامت أفكارهم على تأويل النص وقراءته قراءة في اتجاه معيّن أفرز فكراً وتوجهات قامت عليها العديد من المذاهب!
وهنا لا بد من طرح التساؤل الآتي: إلى متى سنظل نؤول النص هذا التأويل الخطير إلى الدرجة التي تقود إلى القتل وإباحة الدم والتخوين والتكفير؟
لا أجد مشكلة مع التأويل، لكنني أجد المشكلة مع الذين يؤولون ومع نتائج التأويل، إذ كيف يؤول أحدنا نصاً بما يتفق مع ثقافته ودرجة معرفته ووعيه، ثم من خلال هذه المعرفة يسمح لنفسه بالحكم على صاحب النص بالإعدام أو الكفر أو الخيانة، فقط لأنه قرأ النص بالشكل الذي يقوده إلى هذا الحكم!
الخطر مع نتائج التأويل لا يختلف عن خطورة الذين يناهضون حرية الرأي، وينظرون إلى من ينتقد فساداً أو تجاوزاً في المجتمع على أنه خيانة للوطن، فيحكمون على صاحب النقد بالخيانة مثلاً!
إذن فلا مشكلة مع الاختلاف في الرأي ولا مع التأويل، المشكلة في النتيجة. إلى أين يقودنا الاختلاف؟ وهنا يظهر مدى وعينا وتسامحنا وقبولنا بالرأي الآخر، ومدى ما نتخبط فيه من شخصية إقصائية قمعية لا تريد إلا سيادة رأي تراه صحيحاً وبقية الآراء خطأ، وأنها هي الحامية للدين والمجتمع، ومن حقها تطبيق العقوبة على المخالف والمختلف تحت ذريعة أنه يهدد الدين والأخلاق والقيم!