بقلم : عائشة سلطان
في كل يوم يجلس فيه المواطنون العرب قبالة أجهزة التلفاز في غرف المعيشة أو في المقاهي أو النوادي ليتابعوا نشرات الأخبار - وهم يصرون على متابعتها يومياً لأسباب مختلفة تحتاج لمقال منفصل ومفصل - يظنون حسبما أتصور أن شيئاً ما، معجزة ما، ربما حدثت في غفلة منهم وأنها قد تغير شيئاً من معادلة الحرب والدم والتدمير في المنطقة العربية.
فإذا بمذيع أو مذيعة الأخبار المتأنقين والمبالغين في استخدام أدوات الزينة والمكياج، يخيبون ظن هؤلاء البسطاء ويعيدون تلاوة الأخبار نفسها، لا شيء يختلف سوى عدد القتلى ربما، ثم لا يهم بعد ذلك، أَقُتِلَ هؤلاء بالقنابل أم بالكيماوي، بسلاح داعش أم ببراميل النظام، بالنيران الصديقة أم بنيران الجيش الوطني أم بنيران داعش وغير داعش، تلك باتت تفاصيل تافهة في كتاب الموت اليومي!
هذا ما جناه الوطن العربي والمواطنون العرب في بلاد كثيرة صدقوا شعارات الثورة التي انطلقت منذ ست سنوات، واجتاحت الأخضر واليابس، غيرت الجغرافيا، ومنظومة الأخلاق، وسيكلوجية الإنسان العربي، ولم تدع حجراً على حجر في مدن شيدت بنيان حضارتها منذ آلاف السنين، هذه هي نتيجة ما سمي مرة بالثورات العربية ومرة بالربيع العربي ومرة بثورات الكرامة وهكذا.بينما لا تمتلك كل حركات الفوضى التي حدثت أي شكل أو نتيجة أو مسار حقيقي يجعلها جديرة بلقب ثورات، هذا مع احترامنا لكل الدماء التي سالت في أرجاء الوطن العربي تصديقاً أو أملاً في تغيير ما لصالح الإنسان وحقوقه وكرامته.
لقد حضر مقاولو الحرب سريعاً ونجحوا في احتكار الغضب وتحويله إلى «بيزنس» تدمير أوطان كاملة لغايات ومصالح عفنة. لقد دفع آلاف الناس أثماناً باهظة لهذا الذي جرى، في العراق ومصر وليبيا وتونس وسوريا واليمن و..و.
فماذا كانت النتيجة؟ القصف والخوف والقتل والحرق والتشرد، ولايزال دعاة الفتن واقفين على الأبواب، لم يملوا ولن يملوا طالما معادلة المصالح مستمرة على خير ما يرام، إنهم يرمون بالحطب في الأتون وبِهِمّة عالية، يصبون الزيت على النيران.
مما لا شك فيه ومما لا يُنكر أيضاً، أن كثيرين من ملايين المواطنين العرب في مئات المدن والقرى والأرياف والشوارع العربية كانوا ضحايا أنظمة ديكتاتورية، وكانوا ضحايا للفقر والجهل والتهميش والفساد، فجاءت الثورات بوعودها، فماذا تغير بعد الثورات؟ لم يتغير شيء بل أضيف لكل ما سبق أن هذا المواطن أصبح حطباً مجانياً لهذه الحروب. هل الخطأ في الإنسان أم في الثورات.. تلك أسئلة كبرى تحتاج لإجابات عميقة ومطولة!