بقلم -عائشة سلطان
خلال الأسبوع المنصرم، تابع المهتمون بعالم المشاهير، حادثتي انتحار مدويتين، هزتا عالم الأثرياء ودنيا الأزياء والإعلام، ففي يوم الخامس من هذا الشهر، عثر على مصممة الأزياء الشهيرة والثرية جداً، كاثرين بروسنان، صاحبة العلامة الأميركية الشهيرة (كيت سبيد) ميتة في شقتها الأنيقة بمدينة نيويورك، وقد تم تشخيص الوفاة على أنها نتيجة انتحار، وبعدها بيومين، عثر على أحد أشهر الطهاة في أميركا (أنتوني بوردين)، منتحراً كذلك في غرفته بأحد فنادق باريس!
كلاهما، مصممة الأزياء والطاهي الشهير، لا ينقصهما شيء مما نعتقد أنه من مسببات السعادة ورغد العيش: المال، الشهرة، النفوذ، الأسوة، العلاقات الواسعة، القدرة على الحصول على كل ما يحلمان به، حتى أنه لا شبهة لفضيحة من أي نوع هددت أحدهما، أو توقع إفلاس مثلاً، وكلاهما كانا في قمة نجاحهما وتألقهما!
إذن، فلماذا الانتحار والهروب من الحياة، رغم الترف والغنى والمجد؟، ذات مرة كتبت عن تلك الطالبة التي امتلكت في سنوات شبابها الغض، كل ما تحلم به فتاة في مثل عمرها: الجمال والذكاء والثراء والتفوّق الدراسي والمعجبين والكثير من العشاق، إلا أن هذه الفتاة، فاجأت الناس حين أقدمت ذات صباح على الانتحار، من دون أن يجد المحققون لدى كل من يحيط بها، بمن فيهم والديها، معلومة تفسر ذلك، أو حتى معرفة ما كانت تعانيه الفتاة ودفعها للانتحار.
في الحقيقة، حين يشعر الإنسان، أي إنسان، بأنه لا أحد يحبه لذاته، ذلك الحب الحقيقي الذي يجعله يلمس قلبه، ويعرف حقيقة ما يختبئ فيه، يعرف احتياجاته ورغباته الحقيقية كإنسان بسيط عادي، له الحق في أن ينجح ويفشل، ويحزن ويبكي، ويتذمر ويصرخ، ويحب ويتمرد، ويمشي حافي القدمين، ويتنزه في أحياء الفقراء، إن شاء، رغم ثرائه الفاحش، ويجلس ليأكل وجبة عابرة على الرصيف مع صديق أو حبيب، من دون ماكياج أو أقنعة أو بهرجة الشهرة والمال والأضواء واللازم والمفروض، ساعتها، يمكن أن يفقد رغبته في الحياة، ويقرر الرحيل!!
حين لا تجد طريقة توازن فيها بين ما تريد وما يراد منك، حين يضغط عليك الجميع لتفعل كل شيء، إلا ما يريحك ويسعدك، ومن دون أن يفكر أحد في أن ينصت إليك ليعرف معاناتك وضعفك وبؤسك؟، ساعتها، تضيق بك الدنيا، ولا تجد سوى الحزن أو الاكتئاب أو الانتحار طريقاً للخلاص، خاصة إذا كانت ضماناتك النفسية وحصاناتك الإيمانية معدومة، في ظل مجتمع مادي محكوم بمعادلات الربح والخسارة فقط، مجتمع لا يرى في الانتحار جريمة قتل للنفس، بقدر ما يراها
حقاً مشروعاً، للأسف!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن البيان