بقلم : عائشة سلطان
تقول حكاية أخرى من كتاب «المعانقات» لأدواردو غاليانو، شديدة العذوبة هذه المرة ومثقلة بالأصوات: «حين كانت لوثيا صغيرة جداً، قرأت رواية وهي تحت الأغطية، قرأتها ليلة بعد أخرى، وكانت تخبئها تحت مخدتها، لقد سرقتها من رف خشب الأرز حيث كان عمها يحفظ كتبه المفضلة.
مع مرور الأعوام سافرت لوثيا بعيداً.
سارت بحثاً عن الأشباح، وبحثاً عن البشر، مشت في شوارع مدن عتيقة.
قطعت لوثيا طريقاً طويلاً، وفي مسار أسفارها كانت ترافقها دائماً أصداء تلك الأصوات البعيدة التي سمعتها بعينيها حين كانت صغيرة.
لم تقرأ لوثيا الكتاب مرة أخرى.
لم يعد بوسعها أن تتذكره. لقد نما في داخلها. إنه هي الآن»!
ماذا تقول لنا الحكاية؟ إنها تقول بشكل عذب جداً كيف تكون وظيفة القارئ وليس وظيفة الكتاب، كل الذين قرأوا وهم صغار يرون أنفسهم في الطفلة لوثيا، التي تقرأ وتدس الكتاب تحت المخدة، لوثيا التي تكبر وتغادر السرير والأغطية والكتاب ذاك، لتذهب إلى حيث تناديها الأصوات التي سمعتها بعينيها.
تفتش لوثيا عن البلدان وأصوات البشر وحكاياتهم، وما كان وكيف كان ولماذا كان؟ هذا البحث هو الكتاب الآخر الذي يؤلفه القارئ ليكمل كتابه الأول، كي لا ينسى ما قرأ، وهذه هي وظيفة القارئ الحقيقي، أن يصير كتاباً من لحم ودم وتفكير ورأي!
حينما زرت سجن القلعة مؤخراً بحثاً عن حكايات من كانوا، هالني مشهد تلك الزنازين، وتذكرت كل ما قرأت عن تاريخ المماليك والذين تعذبوا ليشقوا للآخرين طريقاً أفضل في الحياة، تذكرت كيف استخدمت هذه الزنازين البشعة سنوات الستينيات، وبرغم ذلك كان الناس يهتفون للسجان، فهل قرأ أولئك أي كتاب عن القلعة؟