بقلم _ عائشة سلطان
الوالدان هما المعلمان الأولان في حياة كل طفل، وهما المعلمان اللذان يستمران معه مراهقاً وشاباً، فيظل يقتفي آثار نصائحهما ودروسهما طوال حياته، وعند المطبات التي تعترضه وهو يقطع دروب الحياة الصعبة يلوح صوت الأم بكل طيبته وحنانه، فيتذكر جملة قالتها ونصيحة لطالما أعرض عنها، ساعتها ينقاد لما كان قد أعرض عنه، فيكون ذلك الصوت كطوق النجاة تماماً، لا تتركنا الأم أبداً حتى بعد رحيلها، كما يتبدى وجه الأب بكل صرامته وقسوته التي لطالما تبرَّمنا منها، عند تلك المنعطفات وحدها، صرامة الأب تهدينا للمخرج وتفسح لنا الطريق الآمن!
يتذكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، والدته المغفور لها الشيخة لطيفة بنت حمدان، فتلوح صورتها في ذهنه كما انطبعت دائماً، امرأة جميلة، رفيقة، حنونة، شديدة الطيبة، حاذقة في ركوب الخيل، ومتفانية في تقديم المساعدات للناس، وماهرة في خلط الأعشاب وتركيبها والمداواة بها، يقول سموه: «كانت أمي أميرة جميلة، كانت أجمل الملكات، كانت أمي أطول النخلات، كانت إذا تمشي يرافقها غزال وتتبعها عناية الرحمن»!
تعلَّم سموه من أمه الكثير، لكن تجربة السفر إلى لندن، وليلة العاصفة وحريق السفينة «دارا»، بكل دراماتيكيتها وأهوالها، طبعت صورة أمه كأفضل ما يكون المثال والقدوة، فهي من وسَّع مداركه، ومنحه أمان العبور لتجارب صعبة بالنسبة إلى طفل ينفصل عن والدته للمرة الأولى، كما أنها بسطت أمامه المبدأ الأهم بالنسبة إلى رجل سيكون حاكماً وقائداً ذات يوم: «مساعدة الناس والتفاني في حمايتهم، وعدم تفضيل نفسه عليهم»!
أما الوالد، الحاكم، مؤسس نهضة دبي الحديثة، المغفور له الشيخ راشد بن سعيد، فهو الرجل الذي تعلّم منه أهم الدروس وأعظمها، يذكره سموه في كتابه «قصتي» كثيراً، فهو الذي غرس فيه بشكل عملي الدرس الأكبر في الحياة: أن الإنسان لا يولد كاملاً، وهو بحاجة دائمة إلى عقول غيره ليتعلم ويكتمل، ويستمر دون تعالٍ أو إلغاء أو تكبُّر على أحد، صغيراً كان أو كبيراً.