بقلم : عائشة سلطان
محسن الرملي، روائي عراقي مبدع، له العديد من الأعمال السردية الناجحة ذات الأثر، ولعل روايته (حدائق الرئيس) وهي من أعماله المبكرة، واحدة من تلك الروايات التي لا تنسى، رواية لا تنتهي إلا وقد زرعت فيك ما لا حصر له من الدهشة والحزن وأسئلة الفجيعة!
ليس لمرور الزمن وتتالي الأحداث في الرواية نصيب من اسمها (الحدائق) الحدائق التي نعلمها ونعرفها، ليس لها علاقة بحدائق بابل المعلقة الأسطورية، ولا بحدائق الفل والياسمين والرياحين، ولكن لها النصيب كاملاً من سطوة وهيمنة اللقب، الرمز، العلامة الفاجعة والفاقعة: الرئيس، الذي جعل حدائقه مكاناً مرعباً يصفي فيه من يشاء، ويعذب ويعبث بأرواح من يشاء، ثم يلقي بهم إلى حفاري القبور ليواروا سوءاته دون أن يهتز له جفن.. أرأيتم كيف هي حدائق الرئيس؟
تسرد الرواية سيرة ثلاثة أصدقاء في قرية عراقية نائية، ومن خلالهم يسرد الرملي جانباً من تاريخ العراق على مدى نصف قرن، وكيف انعكست أحداث هذه السنين على حياة الناس البسطاء. الحروب، الحصار، الدكتاتورية، الأسر في إيران، غزو الكويت، المقابر الجماعية وفوضى الاحتلال التي يضيع فيها دم أحدهم (إبراهيم) كرمز لضياع الدم العراقي، بين فلول نظام سابق وأتباع نظام تلاه.
تُيسر الرواية لقارئها فهم تعقيد التاريخ العراقي الحديث بمآسيه المتلاحقة. كما تبلور قناعة الكاتب ورفضه اعتبار ضحايا القمع والحروب مجرد أرقام في حوادث تسردها الصحف، إنهم كما يقول «أناس لهم تاريخ وعوائل وأحلام وتفاصيل. كل شخص هو عالَم قائم بذاته.. ومن بين مهام الأدب تبيان ذلك». الرملي فقد شقيقه الروائي (حسن مطلك) الذي أعدم على يد النظام وتسعة من أقربائه ظلماً، ففر من العراق ناجياً بحياته التي اختار أن يكملها في إسبانيا.