بقلم : عائشة سلطان
حدثتني امرأة عن خيبتها في زوجها الذي ضحت لأجله فخانها، وحدثني أب عن صدمته في ابنه، وجلست إلى امرأة شاركتني العمل في مدرسة كنت مديرتها وكانت هي تعمل بائعة في مقصف المدرسة، وذات ضحى بينما كنت أتناول القهوة معها في مطبخ المدرسة حدثتني عن حالة الإحباط التي سببتها لها ابنتها التي بذلت كل شيء لتراها أعظم مهندسة في الدنيا كما كانت تقول، بينما دموعها تنحدر بحرقة.
كان الذي كان، وسيظل يتكرر، فالحقيقة التي لا تتردد الحياة في تقديمها لنا دون اعتبار لرهافة قلوبنا وأحاسيسنا هي أن الناس لا يصبحون كما نريد بل كما يريدون هم، هذا هو الذي يحدث وسيحدث في كل مكان وزمان، لكننا لسبب مضمر في أذهاننا، أو لتصوراتنا الطيبة عن أنفسنا، أو خيالاتنا المثالية عن الآخرين (كل الآخرين، القريبين جداً، والقريبين إلى حد ما) فإن الذي يحدث مع تلك الأم، وذلك الأب مثلاً، هو أن الأبناء يكتشفون ذواتهم، والذي يحدث أيضاً أن الأب أو الأم كانت أحلامهما في جهة أخرى لم يكن ينظر إليها الأبناء.
لذلك فهي لم تجربهم في المواقف أو لم تخضعهم لأي اختبار لتعرفهم، ظلت ولسنوات طويلة تحجب المرئي الذي كان واضحاً أمام عينيها باللامرئي الذي كانت تتأمله وتتمناه، ترى أنانيتهم، جشعهم، لا مبالاتهم، اتكاليتهم عليها، عدم مبادرتهم للعطاء مقابل كل الأخذ الذي كانوا لا يتوقفون عنه، وكانت تقول صغار سيكبرون ويتغيرون.
حين كبر الصغار وتغيروا بالفعل فقد صدمها الأمر، لأنهم تغيروا بشكل لم تتوقعه ولم يكن في مستوى أمنياتها، مع أنه كان متوقعاً بحسب التسلسل الطبيعي!
إن تقوية ملكة الأخذ تجعل ملكة العطاء تضمر حتى تتلاشى تماماً، هذه هي الحقيقة التي لا ننتبه إليها ونحن نعطي أبناءنا واجبتنا وأصدقاءنا بلا توقف، نعطيهم الحب، العناية والاهتمام، الوقت وكل العمر.. هذا اللامتناهي واللامحدود حين لا يقابل بلا شيء يتسبب في كل ما يعبر عنه البعض بالصدمة والخيبة والإحباط، إنه يشبه خيبة الفلاح حين لا تتفق حسابات الحقل مع حسابات البيدر.