بقلم : عائشة سلطان
أيهما الذي يتسرب إلينا حين نقرأ أثراً مترجماً؛ كتاباً أو رواية أو حتى مخطوطة للذين أوتوا حظ مطالعة وقراءة المخطوطات؟ ما الذي يصلنا أولاً أو بشكل أكبر وأكثر وضوحاً؛ هل هي المادة الأصلية كما كتبها كاتب النص في اللغة المترجم منها، أم هي نص مختلف كما رآه وبالتالي نقله المترجم بلغته؟
لنتحدث مثلاً عن واحدة من روايات الأدب العالمي الخالدة؛ رواية «مائة عام من العزلة» لغابرييل غارسيا ماركيز، الحائز جائزة نوبل بفضل أعمال جليلة هذه واحدة من أهمها، ولندع جانباً الذين لم يستسيغوا الرواية، فلذلك أسباب عدة ليس من بينها أن الرواية سيئة بالتأكيد، ولنسأل ما الذي أعجبنا فيها؟
إلى جانب هذا العمل قرأنا لماركيز «الحب في زمن الكوليرا» و«خبر اختطاف» و«اثنتا عشرة قصة قصيرة مهاجرة» و«خريف البطريرك» و«ليس للجنرال من يكاتبه».. وهناك الكثير من الأعمال التي يعود الفضل الأكبر في نقلها لقراء العربية للمترجم صالح علماني، فهل قرأنا ماركيز في هذه الأعمال أم أن علماني قد تسرب لنا بلغته الخاصة من خلالها؟ وهل نعي فعلاً أننا حين نناقش البناء اللغوي وجماليات الأساليب والاستعارات والشعرية، أننا نتحدث عن لغة المترجم وليس عن لغة النص والكاتب؟
حين قرأت «ظل الريح» للإسباني كارلوس زافون، والتي ترجمها للعربية السوري معاوية عبدالمجيد، أيقنت تماماً بعد أن أكملتها أن معاوية كتب الرواية بالعربية على طريقته، وبروح أشك في أنها تشبه روح زافون الإسباني، وحين قرأت «لقيطة إسطنبول» للتركية أليف شافاق، شعرت بأن من كتبها هو مترجم الرواية خالد الجبيلي؛ لأنني كنت أقرأ لغة الجبيلي وليس لغة شافاق.
إن أي كتاب نقرؤه هو في أساسه لغة قبل أي شيء آخر، قبل الحبكة والبناء السردي، فاللغة هي أول ما يصلنا ونتواصل به مع عوالم الكتاب وبسببها نتأثر وننفعل ونصل إلى الغاية، لذلك فنحن لا نعرف عن ماركيز وكل الأدباء الذين لم نقرأ لهم بلغتهم الأصلية إلا الحكايات والتفاصيل الصغيرة، أما الرواية التي هي اللغة فهي للمترجم، المترجم الذي إما أن يجعل العمل ممتعاً ناجحاً تستسيغه الجماهير، وإما أن يقتله، بينما هو في لغته عمل شديد الجمال.