بقلم : عائشة سلطان
لو استعرضت الأشخاص الذين يحيطونك طوال الوقت، في الدائرة اللصيقة بك تماماً؛ الوالدين، الأبناء، الزوجة، الحبيب، الأصدقاء، لو أنك استعرضتهم اسماً اسماً، ثم تذكرت التاريخ المشترك الذي جمعكما معاً، عبر سنوات وتجارب ومواقف، ومن خلال أجمل الأوقات وأصعبها، أفضل المواقف وأتعسها، وبعد ذلك استعرضت آخرين موجودين دائماً في حياتك وإن لم يكونوا بذلك القرب الذي يشبه ملازمة الأهل والأبناء، فأيٌّ من هؤلاء جميعاً تستطيع أن تقول واثقاً إنك تعرفه جيداً، وبما يكفي لتثق بأنه لا حواجز ولا أسرار ولا خفايا تقف في المسافة بينك وبينه؟
هل نعرف بعضنا حقاً؟ هناك مقولة توقفت عندها طويلاً وأنا أقرؤها: «في كل إنسانٍ تعرفه إنسانٌ لا تعرفه»، أليس ذلك صحيحاً بدرجة كبيرة، إن الذين دخلوا حياتنا في مرحلة ما، جاؤونا وقد كانت لهم حياة سابقة وأسرار ومواقف، وخفايا لم يكشفوها لنا حتماً، وقد يغادرون الحياة دون أن يسمحوا لنا بالاقتراب منها، وذلك حقهم، كما أنه قد يكون من الأفضل عدم إزاحة الحجب عن كل الخفايا، هناك أمور من الأفضل أن تبقى محاطة بالسرية، وأن تظل بعيدة عن متناول الألسن والجدل!
لكن هناك خفايا يشكّل بقاؤها حاجزاً نفسياً وعاطفياً بين الناس، أسرار تكونت نتيجة مواقف لا ذنب للإنسان فيها، في طفولته وربما في مراهقته، فأخفاها تحت سجادة الحياة ومضى يهيل عليها أستاراً من الزمن حتى ينساها لكنها تبقى مترسبة، تثور وقت اللزوم وتظهر كرأس جبل الجليد بإمكانه أن يهشم أي علاقة تعبر بحر الحياة بهدوء، هذه الخفايا من الأفضل ربما مناقشتها لنتعافى منها لا لأي غرض آخر!
ليس هناك شخص في هذه الحياة يتحرك ويعيش بيننا لا يحوي قلبه سراً ما، يخفيه عن الناس، وأحياناً عن نفسه، كلنا مثقلون بالأسرار، من هذه الأسرار ما يستدعي الخلاص للتخفُّف، وألا يكون الواحد منا ككائن ميلان كونديرا الذي لا تحتمل خفَّته التي يتظاهر بها!