بقلم - عائشة سلطان
تعال أحدثك عن عمرك الذي وجدت نفسك وقد تسرب منك، وإلى سنينك وكأنها هبطت على شهادة ميلادك من الفضاء أو تسللت إلى جسدك من ثياب جدتك، كأنك كنت طفلاً يركض صباح البارحة بكامل طيشه غير مبالٍ بشيء وغير فاطن للزمن وخلافه، وحين فتح عينيه هذا الصباح فوجئ دفعة واحدة بثقل جسده، بالخدر الذي يسري في عمق روحه، بتغضنات عنقه وأيامه المتصلبة!
دعني أقول لك بماذا صرت تشعر دون أن تنتبه: لقد أصبحت تفقد شهية النهوض من سريرك، تستسلم للكسل كثيراً، لا شيء يدفعك للنهوض ومغادرة المنزل هذا شعور قاتل، مخيف وابن ستين لعنة، لا تستسلم له!
إنه العمر في قسوة وطأته، اللحظة التي ترى فيها بأم عينيك انطواء الأحلام كطي السجل للكتب، ترى بعين قلبك كيف يغادرك شغفك بالحياة والمتع، مفضلاً الدعة والراحة والهدوء أكثر، تعرف دون أن تعترف أنه قد ذهب الأجمل والأكثر نزقاً وبقي الأكثر تعقلاً وحكمة وتردداً.
قالت أمي منذ سنوات أهلكتني السنين، كسرتني، صفعتني وسمرتني في منتصف المسافة بين أحلامي وبيني، قاسية هذه السنين قاسية حد التفكير في هجرة كل شيء والرحيل إلى أي مكان بلا سنين!!
تصحو كأنك نمت منذ زمن أو كأنك سُرقت. يدك ليست التي نمت بها، ولا صفاء بشرتك ولا صوتك، أحدهم سرق عصافير قلبك وأنت نائم، إنه العمر الذي لا يمكن إزالة آثار بصماته، فماذا تفعل إذن؟ تعيش أيامك، تفعل ما ترددت في فعله منذ عشرين عاماً، وتنفذ تلك المشاريع الصغيرة التي أجلتها طويلاً، ثم تتأمل كيف قضيت العمر وأنت تتلصص من كل الثقوب!.