بقلم - عائشة سلطان
كان لمناقشة رواية «طِشاري»، للروائية العراقية إنعام كجه جي، وقع مختلف بالنسبة لجميع من شارك في تلك الجلسة العاصفة بالمشاعر، والتداعيات، والاختلافات المتوقعة بطبيعة الحال.
معروف أنه في المناقشات التي يكون الأدب والثقافة أساسها، والسياسة دمها الذي يسري تحت جلدها وفي أوردة الصفحات والأحداث كرواية «طشاري»، لا يمكنك إلا أن تحاذر وتنبه من مغبة انزلاق النقاشات من اتساع أفق الكاتب إلى ذلك النفق الضيق لأفق «بعض» القراء الذين لم ينتبهوا للفرق الكبير بين ضرورات الخيال واشتراطات الواقع، وبين النقد والهجوم، وبين الوعظ والأدب، فليس مطلوباً من المبدع أن يكتب وعظاً ليتوافق مع ما يريده الجمهور!
لذلك فإن رواية مثل «طشاري» بكل حمولتها الواقعية والعاطفية وبكل المواقف السياسية والإنسانية التي حفلت بها، ليست مجرد رواية عادية، وما كان يمكن أن يخطها إلا قلم مبدع أولاً وإنسان عراقي مرتبط وصاحب تماسّ مباشر مع جميع الأشخاص والتفاصيل الواردة في العمل ثانياً، لذلك فـ«طشاري» هي رواية الشتات والتفرقة، رواية كل العراقيين «المطشرين» والموزعين على جميع عواصم ومدن الكرة الأرضية، فاتخذت من عمتها «ماهي كجه جي» شهرزاداً أخرى، أجرت على لسانها سيرة العراق منذ مرحلة التوافق والانسجام الاجتماعي، حتى انحداره إلى التدهور الكامل عندما خرج مارد الطائفية من قمقمه جارّاً وراءه ويلات بدأت ولم تنتهِ، حتى سمّت إنعام العراق بلد الألف ويلك وويلة.
إنعام كجه جي، الصحفية الفذة، صاحبة التاريخ الواسع في مجالها، واللغة الشاهقة البارعة التي ولجت عبرها إلى بوابة الرواية الواقعية فأبدعت فيها كما أبدعت في كتابة المقال الصحفي.
إنعام كجه جي اليوم مهاجرة عراقية تعيش في باريس، كما عمتها الدكتورة ماهي كجه جي ذات التسعين عاماً، بعد أن هجرت بغداد والموصل والديوانية والكرّادة وباقي مدن العراق التي جاءت في الرواية والواقع.