بقلم - عائشة سلطان
ماذا يعني الوقت بالنسبة لشخص وحيد؟ لامرأة وحيدة مضطرة لقضاء صيف طويل دون أية إمكانية لبدائل مبهجة وأشخاص متفهمين؟ أو لامرأة متقاعدة حديثاً، وقد بدأ الفراغ يربكها بشكل واضح، بينما ترشح ذاكرتها بما تحاول أن تهرب منه فتقف لها الوحدة بالمرصاد؟ وكيف يمكن لرجل ستيني وحيد أن يتفاهم مع هذا الوقت الكثير والفارغ، بعد أن توفيت زوجته وتركت له مذكراتها ربما ليرمم أحداثاً لم يفهمها لكنها صدمته حين عرف حقيقتها في ظل الوحدة؟
هل واجهتم الوحدة؟ لا أقصد بالوحدة ذلك الزمن القصير والمستقطع والمؤقت حين تجد نفسك بمفردك لأنك فضلت البقاء في البيت حين قررت عائلتك قضاء اليوم على شاطئ البحر، أو حين وجدت نفسك بمفردك في رحلة عمل لثلاثة أيام مثلاً، أو إذا اضطرتك حالتك الصحية للبقاء في المشفى لمدة يومين؟ هذا ليس أكثر من وقت مستقطع بين الجري والعودة إليه ثانية، أو يمكن تشبيهه بوقت استراحة إجباري تمنحك إياه الصدفة، أما الوحدة في معناها الكبير، الفضفاض والمخيف فإنها أشبه بفضاء لا متناهٍ من البياض الشاسع، شيء يشبه سهول سيبيريا المخيفة، حيث يغتال الامتداد طمأنينة قلبك!
هذه الوحدة التي تحدث عنها الروائي الإسباني خوان خوسيه مياس، على لسان بطلة روايته البديعة «هكذا كانت الوحدة» واصفاً إيّاها هكذا «الوحدة أن تجد نفسك فجأة في العالم كما لو قد انتهيت لتوك من المجيء من كوكب آخر لا تعرف لماذا طردت منه»، أن تشعر أن المحيطين بك لا يرونك، يلغونك تماماً من تفاصيل وأحداث حياتهم، زوجك لا يفهمك، أخوك لا يكلف نفسه عناء الاستمرار في حوار يعنيك، ابنتك التي لا تبلغك أنها حامل في شهرها الثالث بحجة أنكما لم تلتقيا منذ فترة!
الوحدة التي تستقر كألم في معدتك حين تجد المقربين منك لا يهتمون بما تفكر أو تشعر به، وأن بينك وبينهم سوراً عالياً جداً لا يرغبون في تحطيمه في الوقت الذي تعمل أنت على إعلائه!