بقلم - عائشة سلطان
منذ عشرة أعوام كنت أجوب مدناً إيطالية خارج روما رفقة صديقتي المقربة، اقترحت عليها ألا نضيّع وقتنا بين المقاهي والمتاجر، فما أكثرها وما أجملها في الإمارات، لقد قطعنا كل هذه المسافات لنعرف ونتعرف ونتلمس بقلوبنا وأعيننا ما أبدعه الإنسان، وما أضافته يداه لتراث الإنسانية، بذلك فقط تتسع رؤيتنا ويمتلئ عقلنا بالوعي والتسامح.
تجولت كثيراً في مدينة نورمبيرج الألمانية منذ أكثر من عشرين عاماً، وهناك التقطت أذناي للمرة الأولى عبارة «هذا المكان ضمن قائمة اليونسكو للتراث الإنساني»، وعندما تجولت في مدن فيرونا وبيزا وفينيسيا الإيطالية، تلمست معنى أن تكون جزءاً من التراث الإنساني، وأن يأتي العالم إليك بذلك الشغف والحب، ليقرأ الحب من قصص حدثت على أرضك منذ قرون، ويشرب قهوة شربها إنسان ما هنا منذ مئات السنين، وينظر إلى قنوات الري أو قلاع الدفاع عن المدن أو ثياب الفرسان أو زينة الفتيات أو وثائق بخط يد شاعر أو أديب أو حتى صعلوك، فحين نلمس الجذور المشتركة بيننا وبين الآخر، ونسير على جسور المدن القديمة ونقف أمام الأسوار، ونسمع هدير الرقصات التقليدية والأغنيات ونشم رائحة القهوة أو الأطعمة التقليدية، لحظتها فقط نعي أن ما يتركه الإنسان خلفه هو ما سيبقى دالاً عليه كحمض نووي، أو كبصمة نادرة لا تشبهها بصمة أخرى، وأن هذه البصمة هي ما سيحفظ تاريخ الإنسان ودوره في مسيرة الحضارة الإنسانية.
هذا ما خطر لي وأنا أرى ما حققته الإمارات وهي تنضم لمدن التراث الإنساني مسجلة مدناً وقلاعاً وتفاصيل إنسانية على قوائم اليونسكو بجهد ومثابرة دؤوبة، عملاً بمقولة المؤسس العظيم الشيخ زايد حين قال: «من ليس له ماضٍ، لا حاضر له ولا مستقبل»، على ذلك نجحت الإمارات في تسجيل مواقع عدة في مدينة العين كتراث إنساني، إضافة للقهوة العربية وفنون العيالة والتغرودة والسدو والصقارة والنخلة وغيرها.. فتحية لكل هذه الجهود.