بقلم - عائشة سلطان
هذه الحكاية تحدث كل يوم في أماكن كثيرة من العالم: في بيت متواضع، جلست امرأة لا تتجاوز الأربعين من عمرها تستعيد أحداث الأشهر الماضية، وبالكاد تستطيع منع نفسها من الانهيار، لقد توفي زوجها مقتولاً دون أن تتمكن من متابعة قضيته أمام جهة قضائية، وبينما وجدت نفسها بمفردها تواجه أعباء حياة ليست سهلة، أُغلق المتجر الذي كانت تعمل فيه، وتخلى عنها أهل زوجها تماماً، في الوقت الذي لا يبدو أن أحداً من عائلتها قادر على مد يد المساعدة لها، لقد تذكرتْ أن أحداً لم يسأل عنها منذ شهور.. إنها فوق ذلك كله أم لخمسة من الأبناء!
وبينما هي كذلك طرأت لها أفكار خلاص ليست كثيرة، فالواقع لا يقدم الكثير من الحلول في حالات البؤس! لكنها تذكرت أن الناس يمتلكون قاموساً مليئاً بألفاظ التأنيب واللوم والتقريع، بل والسباب والتكفير، ومستعدون لقذفها دفعة واحدة في وجهها إذا ما تناهى لسمعهم إقدامها على الانتحار مثلاً، دون أن يفكر أحدهم لعشر ثوانٍ فقط في إنقاذها في الوقت الذي كانت تشرف على الهلاك وبحاجة لمجرد كلمة ربما!
إن الإحساس بالغربة والاحتياج الذي يجد كثيرون أنفسهم فيه سببه أننا أصبحنا نعيش في توحّد مؤلم، وكأننا في جزر نائية لا يعرف أحدنا عن الآخر شيئاً ولا يهمّه أن يعرف!
لا نتقاطع أبداً إلا نادراً كي لا نزعج هدوء بعضنا أو نوم ضمائرنا أو نكتشف حقيقة وحدتنا، كالقنافذ التي تنام على بعد مسافة خوفاً من أن تنغرز الأشواك في أجسادها.
سيقول أحد أقرباء تلك المرأة: أين كنت عندما كانت تنام وأطفالها بلا طعام؟ وأين كنت حين لم تجد ما تدفعه لأجرة المنزل؟ وكيف عشت قرير العين بينما كانت تعضّ على جُرح حاجتها وحيدة هي جارتي؟ وسيقول آخر: مما كانت تشتكي؟ كانت امرأة جميلة ولديها خمسة أطفال تمنيت أن تكون زوجتي في مثل جمالها؟! إحداهن لو علمت كانت ستظل دامعة العين طيلة الليل بانتظار أن تطرق بابها لتربت على قلبها وتتقاسم معها الطعام والألم!