بقلم : عائشة سلطان
ستحتدم المعارك كما هي العادة على مواقع التواصل بين أبناء الأمة العربية، ستخرج أصوات صاخبة ومجلجلة تهاجم بكل قوتها خطوة قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، سيتحدث الكل وسيفتي مجهولو "تويتر" و"فيسبوك" في السياسة، كما أفتوا وخاضوا سابقاً في الدين والعلم والثقافة والأدب، ألم يعطهم الإعلام الحديث هذه الفرصة الذهبية ليصبح كل منهم صحفياً يلتقط الخبر من فم الحدث ويزجه مباشراً عبر صفحته على أنه خبر مباشر من أرض الحدث؟
إذاً سيتبارى الجميع في الدفاع أو الهجوم، كل من موقعه ووظيفته التي يشغلها على "فيسبوك" أو "تويتر"، وأيضاً كل حسب توجهاته وانتماءاته الفكرية والمذهبية واصطفافاته السياسة، وبالنسبة للبعض حسب ما دفع له وما قبض!
القضية سياسية بحتة، لها جذور وتفاعلات وأسباب يطول شرحها، وقطع العلاقات الدبلوماسية بين دولتين أحد إجراءات السياسة المتعارف عليها بين الدول، وهو إجراء يأتي كأحد أوجه تأزم العلاقات إلى أقصى حد بين دولتين أو أكثر، وحين تتخذ الدولة قراراً خطيراً كهذا تكون في الحقيقة قد استنفدت كل وسائل الدبلوماسية المعروفة كالمفاوضات والوساطات.
ويكون قد تبين لها أن الخطر المترتب على بقاء العلاقات أكبر وأشد، فيكون هذا الإجراء سلوكاً ضاغطاً ورادعاً لمنع أو معاقبة طرف آخر بسبب سلوكيات وأفعال ثابتة ومستمرة من قبل دولة ضد أخرى، لا يجوز السكوت عنها كما لم تنفع كل الوسائل لردعها؛ وإذاً فكما يقول المثل (آخر العلاج الكي) وأقسى رد فعل سياسي هو قطع العلاقات الدبلوماسية.
الذين سيتهكمون وسينتقدون وسيبادرون بالدفاع عن قطر وسياساتها، سبق لهم أن دافعوا عن سياسات إيران التوسعية وحربها المذهبية الشرسة والتخريبية، كما دافعوا عن الحوثي في اليمن، وسياسات حزب الله في سوريا.
وقد كانوا أنفسهم ذات يوم وآباؤهم الروحيون قد دافعوا عن صدام حسين حين احتل الكويت وشكلوا جبهة للدفاع عنه حين تم تشكيل تحالف دولي لردعه وضرب غروره، مع أن القنوات الدبلوماسية يومها كانت على قدم وساق لإقناعه بالخروج من الكويت ووضع حد لمغامرته المدمرة، لكنه رفض وأصر فكان أن جر بلاده للهاوية!
يحزننا هذا النفاق الذي يقع فيه كثير من المثقفين العرب عبر مواقع التواصل، والتهجم على بلد كالإمارات لغايات مكشوفة ومن دون علم وبصيرة بمعطيات السياسة واعتباراتها وأسباب قراراتها، ونحن على يقين أن أبناء البيت الخليجي سيتمكنون من عبور هذه الأزمة بقوة وحكمة وسيعالجون أزمتهم بطريقتهم، لكن بعيداً عن الوسطاء والأوصياء والمزايدين، الذين رفعوا صور صدام ذات يوم وطالبوه باحتلال كل الخليج، بينما معظم أولئك يدعون العروبة والقومية، ويعمل معظم أهلهم في دول الخليج!
من لا يفهم، فعليه ألّا يتدخل فيما لا يعنيه، ومن يفهم ليقل خيراً أو ليصمت؛ لأن مقدّرات ومصائر ومصالح الأوطان والشعوب لا تُحل بالعواطف ولا على مواقع التواصل.