بقلم - عائشة سلطان
الحياة تتلخص في فكرة شديدة الوضوح في معظم الأحيان، وبعد ذلك تصبح حركتنا في الحياة عبارة عن تطبيق يومي وعلاقة إنسانية وثيقة مع هذه الأفكار التي نؤمن بها، والتي يمكننا الحديث عنها ببساطة، والدفاع عنها بثقة.
وبمعنى آخر فإن هذه الأفكار تحددنا، تقول مَن نحن على وجه الدقة، ترسم نوعية شخصياتنا، والمواقف التي نتخذها ونتحرك ضمن حدودها في الحياة، تقول ما يمكننا التعايش معه وما لا يمكننا قبوله، ما نرفضه وما ندافع عنه، ما يبهجنا وما يغضبنا، الأفكار يمكنها أيضاً أن ترسم ملامح ونوعيات الأشخاص الذين يمكننا الحياة بصحبتهم، وأولئك الذين لا يمكن أن يجمعنا بهم أي طريق.
فكرة التخلي واحدة من الأفكار الإنسانية الأقرب إلى المثالية الممكنة للبعض، وإلى المثالية المستحيلة للبعض الآخر، كثيرون على امتداد تاريخ الفلسفة والأدب والتربية الروحية ناقشوا فكرة التخلي أو التخلص من العوالق التي لا ضرورة لها، إنْ في الماديات التي تحيطنا، أو في الأفكار والعلاقات التي نتورّط فيها وتورّطنا، بحيث تصبح الحياة معها مستحيلة، والخلاص منها ليس متاحاً.
كما قد نظن، فقد تتمكن من الخلاص من كومة ملابس أو بطاقات ورسائل وصور قديمة، لكن لا يمكنك الخلاص من علاقات وروابط قامت خيمة حياتك على أوتادها حتى مع يقينك بأن حياتك قد تصبح أكثر جمالاً وخفة لو فعلت.
بعض الأفكار تغير حياتك، تقلبها رأساً على عقب، تجعلك تجلس إلى طاولة المطبخ في ساعة متأخرة من الليل، أمامك فنجان قهوة وسؤال كبير ستُمضي أياماً طويلة تعمل على تفكيك مجاهيله: كيف أمضيت كل هذا العمر بعيداً عن هذه الفكرة؟ دون أن ألتقي هذا الشخص؟ ودون أن أكتشف هذه العوالم الكامنة في أعماقي؟
بعض الأفكار بمجرد أن تصبح جزءاً من حياتنا، تغيّرنا، تلوّن عوالمنا بكل معنى الكلمة، تجعلنا نصحو أكثر خفة وبمزاج مُغاير، نرتدي ثيابنا بنفسية مختلفة عما كنا عليه، ننظر إلى ذواتنا بعاطفة أخرى، نقفز إلى أعمالنا ولقاءاتنا كأننا نتعرف إلى الحياة تواً.. إنه سحر الفكرة وقوتها.