بقلم : عائشة سلطان
في كتابه المهم «أزمنة الحداثة الفائقة» يصف الفيلسوف الفرنسي وعالم الاجتماع جيل ليبوفيتسكي أنماط الحياة في أزمنتنا الراهنة فيقول: «يتميز مجتمع الحداثة الفائقة بالحركة والتدفق والمرونة والاستهلاك بلا حدود، الاستهلاك لأجل المتعة، والابتعاد عن المبادئ العظيمة التي هيكلت الحداثة أكثر من أي وقت مضى».
وفي الإطار نفسه، فإن إنسان هذه الأزمنة هو الآخر «فائق الحداثة» يجري توجيهه نحو اللذة الدنيوية والمتعة لتضخيم احتياجاته وبالتالي تضخيم الأرباح المترتبة على ذلك، إلا أن هذا الإنسان يمتلئ بنوع من الخوف والقلق الذي يتأتى من العيش في عالم ينزلق بعيداً عن الإيمان ويواجه مستقبلاً غامضاً، على الرغم من الانفجار المعرفي الذي يشمل جميع مجالات العلوم التطبيقية والإنسانية، إلا أن الواضح تماماً أن هذا الكون شاسع بما لا يمكن الإحاطة به واكتشاف أسراره أو السيطرة عليه!
يبحر الإنسان في العلم وفي اعتماده على العقل، ويبذل قصارى ما يستطيع، ويذلل كشوفاته ومخترعاته ونظرياته في خدمة احتياجاته وتسهيل حياته، إلا أنه لم يتمكن من كبح جماح جهله وضعفه، ولم يمنع نفسه من اختراع الحروب وتوسيع نطاقها، وتقنين القتل، وتلويث الطبيعة، وتدمير المناخ والغابات والمنتجات الزراعية.
هذا الاستخدام الفائق للعقل والعلم لم يمنع القلق من أن ينخر في عظام أفراد الحداثة الفائقة، فارضاً الخوف من الأمراض والحروب والأزمات والكوارث، وبالتالي أفسد هذا الإنسان المتفوق حريته وسعادته وبساطته دون أن يقدر على العودة لأزمنة البساطة، أو المضي آمناً في أزمنة الحداثة الفائقة!
كل شيء يرفع لافتات التحذير فوق الرؤوس: أفراد أكثر تعليماً وأوفر دخولاً وأعلى تدريباً وامتلاكاً للخيارات، ولكنهم أكثر خوفاً وقلقاً وتحطماً أيضاً.
إنهم بالغون وناضجون ولكنهم غير مستقرين وقلقون، فضلاً عن أنهم أقل تمسكاً بالأيديولوجيا في الوقت الذي هم فيه أكثر اتباعاً لتغيرات الموضة، أكثر انفتاحاً ولكنهم أسهل تأثراً، أكثر انتقاداً لكنهم أيضاً أكثر سطحية، أكثر شكاً وأكثر غموضاً. ولم يعد هناك أي نظام إيماني يمكن اللجوء إليه للطمأنينة والسكون.
باختصار «تلك هي أيام الحداثة الفائقة» كما يصفها مؤلف الكتاب!