بقلم : عائشة سلطان
كانت جدتي -رحمها الله- سيدة طيبة، راضية دائماً، ومكافحة كما تقتضي الحياة من امرأة بسيطة في ذلك الزمن الصعب من سنوات الخمسينيات، منحتها الحياة الكثير من الذكاء، لكن أكبر مواهبها كان إجادتها فن الطهي.
تقول أمي إنها تضطر في معظم صباحات الشتاء إلى إعداد أكثر من نوع من الخبز لوجبة الإفطار بحرفية لافتة، رغم البرد الشديد في تلك الأيام التي كانت فيها البيوت مكشوفة على أفنية واسعة تجاور البحر وتصفر رياح الشتاء عند مداخلها طيلة الوقت، وكانت صبورة جداً، لكن لا شيء يقف في وجهها عندما تغضب حين تتعرض للضغط الشديد!
لماذا يقولون إنكم كنتم تعيشون في فقر وشظف إذاً؟ هذا لا يتسق مع امرأة تُعدّ نوعين من خبز للفطور مثلاً، ألا يعتبر ذلك ترفاً بعض الشيء؟ ثم أين هي تلك المرأة المستلبة التي يصورونها لنا؟ تجيبني: «كان للمرأة احترامها، كما لم نعانِ ذلك العوز أو الفقر المدقع كما تتصورون، كان الرجال يخرجون في مواسم غوص تطول أحياناً، لكنهم يعودون بالخير، وفي الأيام التي لا يغوصون فيها كانوا يخرجون للمزر أو صيد السمك، أما عندما هجروا الغوص فقد ذهبوا إلى الدول المجاورة للعمل في النفط مع الإنجليز، كما مارسوا أعمالاً أخرى في المدن».
كيف تعلمت جدتي الطهي؟ من علّمها؟ أسأل أمي، تجيبني أن البيوت عادةً ما كانت كبيرة وتعجّ بنساء كثيرات، كانوا كقبيلة كاملة تسكن بيتاً واحداً، وكانت هناك نساء تم جلبهن من بلدان بعيدة، يعرفن فنوناً ومهارات لا نعرفها، كنا نعلّمهن ونتعلم منهن بشكل مباشر، فليس أمام المرأة سوى أن تتعلم ما استطاعت لتثبت جدارتها.
توقفت عند مسألة النساء اللواتي ينتمين إلى ثقافات مختلفة وجُلبن من بلدان بعيدة، ويعشن تحت سقف واحد في بعض البيوتات قديماً -وهنا أتكلم عن مجتمع ديرة على الأقل حيث عاشت عائلتي وما زالت- فهذا الأسلوب في الحياة، أو لنقل هذه الثقافة، ما كانت لتوجد لو لم يكن هناك أناس يمتلكون ذهنية منفتحة على الآخر المختلف عنهم ثقافياً.
نحتاج أن نكتب عن تفاصيل حياة النساء في تلك السنوات البهية، ففيها الكثير مما يجب أن يُقال ويُعرف!