بقلم : عائشة سلطان
إذا أردنا اختراع كوكب جديد، كوكب نحن مَنْ يتخيله ويهندسه ويسميه ويتصوره مكاناً لائقاً بسكنى البشر، كوكب ليس كالزهرة الذي تصور الكاتب جون جراي في كتابه الشهير «النساء من الزهرة والرجال من المريخ»، أن النساء قبل ظهورهن على الأرض كن يُقمن هناك بمعزل عن الشقاء والخلاف والاختلاف، وقبل أن يلتقين بالرجال وتظهر كل الاختلافات والخلافات بينهما!
كوكب لا يشبه المريخ أو مارس كوكب الحرب والقوة الذي جاء منه الرجال، والمقصود هنا أن نتخيل كوكباً مختلفاً بمواصفات مختلفة، يمكنه أن يتسع للجميع، والأهم أن يتسع لذهنية التفاهم والتفهم الكامل، فأي كوكب يمكن أن نخترع لنعيد الرجال والنساء إليه معاً، شريطة أن نكون قد اكتشفنا السر الذي يجعل النساء والرجال متحررين من عقدة الإسقاط، وإشكالية عدم التفهم، وعدم الاعتراف بتأثير الآخر وفضله.
لا نبحث عن كوكب يعيد أساطير الرومانتيكيين القدماء، ولكن عن الصيغة الأخرى لحياة التفاهم والمشاركة والسعادة، بحيث لا يطالب الرجل المرأة بأن تكون رجلاً في مشاعرها واحتياجاتها وردات أفعالها، ولا تتوقع المرأة منه أن يكون مثلها في السلوكيات والاستجابات لتحديات العيش والعلاقات المتوترة، هذه التوقعات الخاطئة التي غالباً ما تتسبب في تجمُّد العلاقات الزوجية عند مستوى الصفر الجليدي، ومن ثم تمضي الحياة بينهما كشخص فقد رجله ويستخدم عكازاً خشبياً ليواصل السير؛ لأن الرجل لا يريد أن يتنازل عما كان عوَّده أبوه وأمه؛ ولأن المرأة لا تريد أن تنسى أحلام المراهقة أحياناً ورومانسيات قصائد نزار قباني.
في أحد الاحتفالات حضر الممثل الشهير دنزل واشنطن بصحبة زوجته لتسلُّم جائزة الأوسكار، وحين صعد لاستلام الجائزة قال في كلمته القصيرة إنه يُهدي الجائزة لزوجته اعترافاً بتفهمها وتحمُّلها طبيعة عمله القاسي والصعب، أما هي فقد وقفت لتقول إنها مستعدة أن تفعل كل ما في وسعها لأجل دنزل واشنطن، الذي اختار أن يكون رجلاً بكل ما تحمله كلمة رجل، فالله خلقه ذكراً وهذا لا يد له فيه، هذا أمر بيولوجي لا يمكن تغييره، أما أن تكون رجلاً تتحمل مسؤوليتك كاملة دون أن تعطي نفسك أحقية الهروب أو التخلي عن مسؤولياتك تحت أي مبرر، ثم تتمتع بأخلاق الرجل ونبله وترفُّعه وصدقه وبشجاعة وثبات، فهذا معناه أنك رجل وهو الاختيار الحقيقي، وهذا هو ما اختاره دنزل.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن البيان