بقلم : عائشة سلطان
الثورة كمصطلح سياسي، كما فسّرته القواميس المتخصصة هي الخروج عن الوضع الراهن وتغييره باندفاع يحرّكه عدم الرضا عما هو موجود لدى جماهير الشعب والتطلع إلى الأفضل. وهذا ما طالبت به جماهير الشعب في مصر وتونس واليمن وليبيا ولبنان والعراق والجزائر وبشكل واضح عندما خرجت غاضبة منذ اليوم الأول.
تنطوي الثورة في طياتها على احتمالات خطيرة: كأحداث الشغب والمواجهات الدامية والفوضى والتدمير، لكنها في التاريخ الإنساني ظلت ظاهرة اجتماعية مشروعة تقوم بها فئة أو جماعة ما (قد يكونون عمالاً، أو طلاباً كما حدث في ثورة الطلاب في فرنسا عام 1968)، هدفها التغيير انطلاقاً من الدستور (الثورة لا تشترط سرعة التغيير، والثوار يتوجب عليهم أن يتمتعوا بمخزون كبير من الوعي والصبر).
لماذا الوعي؟ لأن الغوغاء لا يثورون وإنما يصنعون فوضى مدمرة بلا هدف محدد أو بأهداف ضيقة ومتضاربة، أما لماذا الصبر؟ فلأن التغيير السياسي من أكثر الأمور صعوبة، فحين يطالب الناس بالتغيير يبدو الأمر من منظورهم أخلاقياً ومشروعاً، بينما يبدو من منظور الطبقة الحاكمة تآمراً وتخريباً وتدميراً لمنظومة مصالح ضخمة ومتجذرة وممتدة إلى خارج حدود البلد الذي تجتاحه الثورة نتيجة تشابكات المصالح، لذلك تسعى السلطة لتخريب الثورة وتدميرها من داخلها، رغم أن الشباب اليوم قد تجاوزوا هذه الاعتبارات بوعيهم وإصرارهم، وتوظيفهم لتقنيات التواصل الحديثة، حيث يعلنون مطالبهم عليها ويحددون أمكنة ومواعيد تجمعاتهم، وعليها يعبئون الجماهير.
إن الغضب الذي يجتاح الشباب اليوم هو المحرك الأول الذي يدفعهم للانتفاض على واقعهم السيئ والمطالبة بواقع أفضل يستحقونه، لكن الغضب والمطالبة بالحقوق لا بد أن يظلّا دائماً ضمن إطار المطالب الجماعية، ليست ثورة تلك التي تتحول إلى مقابلات تلفزيونية ومطالب فردية ضيقة وشعارات متضاربة، إن تحوّل مشهد الثوار إلى مجرد أشخاص يستجدون خدمات حياتية يفرّغ الثورة من معناها الأخلاقي ويفقدها زخمها وجديتها ويقودها للتفتت، هذا لا يعني ألا يكون لدى الثوار مطالب، فمطالبهم محقة دائماً، لكن بشرط أن تتجاوز الخاص والفردي وتبقى في إطار الصالح الجمعي والجماهيري لتحافظ على مشروعيتها ومصداقيتها.