بقلم : عائشة سلطان
كان ذلك منذ عامين، في أحد صباحات مارس المعتدلة، في بلاد لا تزيد حرارتها طوال العام ولا تنقص عن 33 درجة مئوية بشكل عام.
مررت في ذلك الصباح في طريقي إلى المستشفى بمجسم ضخم لتمثال منصوب أمام مدخل الفندق الذي أقيم فيه في العاصمة بانكوك، كان هناك الكثير من الأطعمة الملونة والورود حول النصب، أردت أن أعرف سر الأطعمة، فسألت فتاة المقهى الشابة ذات الثلاثة والعشرين ربيعاً، أجابت إن هذه الأطعمة توضع كصدقة لأرواح الموتى، وأن بوذا يباركها بعد أن تنزل الأرواح ليلاً وتتقبلها!.
تقول الفتاة، إن أرواح الأسلاف تظل تنتظر هذا الطعام أو هذه الصدقة لتباركها، ومن ثم يصبح من حق العابرين تناولها، لا علينا بما يقتنع به الآخرون، تلك قناعات لا نناقشها، لكننا حين نمر بها لا شك في أنها تثير لدينا الكثير من أسئلة الفضول.
أنهت الفتاة كلامها بالقول: «إن الإيمان بالله محله القلب»، ثم بابتسامة حلوة أردفت: «أنا أؤمن بنفسي طيلة النهار وبقدرتي على الاستمرار وتأمين احتياجات حياتي، أما كبار السن فإنهم يؤمنون بالغيبيات أكثر لأنهم جيل لم يتعوّد أن يناقش أو يسأل»، ثم ضحكت ومضت مستريحة إلى قناعاتها!.
ما زلت أتوقف عند كل زاوية، وأتذكر تلك الفتاة، حين أجد أناساً يصدّقون ما لا يقبله العقل، لكنني أعود فأنتبه إلى أن الإيمان بالفكرة لا يحتاج إلى العقل بقدر اتكائه على القلب والعاطفة، وأن معظم هذا العالم يمور كبحر زاخر بقناعات لا تصدق، لكنها موجودة ومستمرة وتؤثر في سيرورة حياة الناس، وليس للأمر علاقة بمستوى التعليم، أو التحرّر أو التحضّر.
فالفكرة المثالية ضرورة لضمان بقاء واستمرار الكثير من المجتمعات والمجموعات التي ربما كانت ضعيفة أو رخوة في وقت سابق، وكانت بحاجة إلى عمود فقري يشدها ويحفظ بقاءها واقفة في أرضها، لذلك كانت الفكرة!.
لقد بنيت بعض المجتمعات على مصادرة وإبادة الآخر وسرقة أرضه وخيراته وحتى تاريخه ومستقبله. هذه البداية لا تبشر بمجتمع قابل للبقاء الأبدي، وحدها فكرة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان (ومعظمها مجرد نظريات)، رفعت هذا المجتمع من مرتبة المجتمع الذي بني على أنقاض وحقوق الآخرين إلى حلم يسعى له الجميع.. إنها قوة الفكرة التي تحيل التراب ذهباً والمحتل منقذاً!!.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن البيان