بقلم : عائشة سلطان
في مشهد بأحد الأعمال الدرامية العربية الذي بقي في ذاكرتي طويلاً: يقرأ مؤلف شاب مقالاً نقدياً موجهاً ضد عمل مسرحي يتم الإعداد له، فيصف الناقد العمل بالسذاجة، ويصف المؤلف بعدم النضج أو العمق الذي يؤهل روايته أن تتحول لعمل مسرحي. كما يهاجم الناقد المخرج المعروف، معتبراً أنه يغامر بتاريخه الفني، لأجل شاب بلا تاريخ.
يصاب الشاب بالذعر، فيصرخ بشكل هستيري: «هذه المسرحية لن تعرض»، وحين يحاول المخرج تهدئته وإقناعه بأن قرار عدم عرض المسرحية أقرب للجنون، وأن هذا الناقد لم يقرأ حرفاً في الرواية، وأنه يخلط بين النقد ومشاعره الخاصة التي تتفاوت بين الغيرة والحسد والوصاية على عقول الناس، يصرخ الشاب مجدداً: «لن تعرض هذه المسرحية إلا على جثتي».
كثيرون يستسلمون تماماً عند الهجوم الأول عليهم، فسلطة النقد والناقد في المجتمعات الأبوية سلطة لا يمكن الوقوف أمامها بسهولة، على الرغم من أن هذه السلطة قد سقطت تماماً في المجتمعات الغربية تحت تأثير التوجهات الفردية والديمقراطية، لكنها في مجتمعاتنا تمتلك من قوة التأثير الغاشمة ما يجعلها تتحول لهجوم متربص أكثر من كونها نقداً موضوعياً، حيث يعتني هؤلاء النقاد بتكريس فكرة الفنان أو الأديب أو الشاعر الصنم أو الرمز الذي لا يجوز تجاوزه أو الخروج من فنائه، فإذا أردت أن تكتب شعراً عليك أن تدخله من باب المتنبي أو شوقي أو.. وإن كتبت رواية فليس أمامك سوى بوابة نجيب محفوظ وهكذا..
تشتغل الذهنية التقليدية العربية على منهج إعادة إنتاج المنتج، وإعادة تدوير القصيدة والرواية والقصة و.. إلخ، كما وضع أصولها الآباء القدامى، وإلا فالهجوم جاهز ومعركة كسر العظم لن تمكنك من المشي طويلاً، ما يخلق ذهناً أو تفكيراً جمعياً يميل إلى التحرك بما سمَّاه جوستاف لوبون في كتابه «سيكولوجية الجماهير» منطق القطيع أو السرب المستعد للانقضاض عليك عند أول إشارة للهجوم، وهذا ما جعل المؤلف الشاب يصاب بالذعر.