بقلم : عائشة سلطان
بدأت علاقة معظمنا بالقراءة عبر قصص الأطفال (مجموعة قصص المكتبة الخضراء العالمية)، وفي ظني فإنه ما من أحد عاش طفولته سنوات الستينيات والسبعينيات إلا واشترى أو قرأ تلك السلسلة من قصص المكتبة الخضراء، القصص الهادفة، والرسوم المتقنة والمبهرة، ومنها انتقلنا لقصص المغامرات (وتحديداً المغامرون الخمسة) ثم قصص عميدة الرواية البوليسية أغاثا كريستي، ومغامرات اللص الظريف آرسين لوبين، ما من طفل إلا وعبر هذا الطريق كي يستقر في النهاية على نوعية القراءات الناضجة والتخصصية التي أكمل بها طريق المعرفة!
اليوم، يقرأ معظمنا في السياسة والفلسفة والتاريخ والأدب والنقد والفن و... الخ، ولكننا عندما نتذكر أغاثا كريستي وقصصها المثيرة وألغاز الجرائم التي يفككها أبطال رواياتها من رجال التحقيق الأذكياء، نعود لنحن لتلك المتعة التي لا تضاهيها متعة، فنتسلل لمكتبة البيت القديمة أو لمواقع الكتب الإلكترونية لنقرأ سريعاً أحد تلك المغامرات والألغاز، فالإنسان مهما تقدم به العمر لا يفقد الشغف ورغبة الاكتشاف وحب الدهشة!
يذكر عن الأديب الكبير نجيب محفوظ أنه كان قارئاً نهماً لدرجة أن وَصفه صديقه (محمد عفيفي، أحد أفراد مجموعة الحرافيش المقربين إليه) بأن محفوظ يستحق جائزة الدولة في القراءة، وعلى الرغم من توقفه عن الكتابة مجبراً في أشهر الصيف، بسبب مرض حساسية العين، فإنه لم يكن يتوقف عن القراءة، ولكن قراءاته في تلك الأشهر لم تكن في الفلسفة والفن.
لقد كان يعود إلى قراءات الطفولة، وتحديداً الروايات البوليسية، وبخاصة أغاثا كريستي وألفريد هيتشكوك، كان يشتري تلك القصص بشغف، حتى إنه حين التقاه أحد أصدقائه حاملًا روايات كريستي ذات يوم سأله ساخراً: «هل تقرأ هذا النوع من الروايات؟»، أجابه محفوظ: «لا، لقد أحضرتها لابنتي». وقد كان محفوظ صادقاً، لأنه بالفعل كان يشارك ابنته قراءة تلك القصص!
يقول كتاب سيرته إن شغفه بقصص الجريمة كان وراء متابعته حكاية سلسلة جرائم كان بطلها مجرم ذاع صيته في القاهرة في تلك السنوات البعيدة، تلك المتابعة التي أنتجت روايته الشهيرة «اللص والكلاب».