بقلم : عائشة سلطان
هناك نقد يقوم به العلماء والمفكرون والفلاسفة لتفكيك الواقع وصولاً إلى إثبات الحقائق وإصلاح أي خلل في أي نظام قائم، باعتبار أن مصلحة الإنسان تقوم وتزدهر وتستمر في ظل الخير والحق والنظام، وعليه فالنقد هنا ضرورة لأجل المصلحة العامة، ومنها أن تنتقد الأنظمة الفاسدة في الحكم والإدارة والعلاقات الاجتماعية ونظام التربية والتعليم والاقتصاد... إلخ، هذا النقد يرتكز على الأدلة الواضحة والقطعية، وعلى الاستنتاج والاستنباط والمقارنات، أي على اتباع منهج علمي (ديكارتي إذا صح التعبير)!.
في مقابل هذا النقد هناك من يطلق الأحكام والتعميمات العشوائية بطريقة خالية من التأني والموضوعية؛ لأنه يرتكز على الملاحظات العابرة والأحكام المنقولة وعلى الأهواء والمزاج، وغالباً ما يسقط أمثال هؤلاء النقاد في فخ جلد الذات ومجافاة الواقع وإطلاق الأحكام الجائرة على الكل انطلاقاً من حالة أو حالتين أو حتى عشر، وفي ذلك ظلم للكثيرين ولجهود عظيمة تبذل يتم تجاهلها وتجاوزها بسهولة، وهذا مما لا يجوز منطقياً وعلمياً!.
جارتنا لديها أربعة أطفال في مراحل دراسية مختلفة، وهم صغار لا تستطيع أن تكل أمور نظافتهم ودراستهم ومتابعتهم إلى أحد، حتى إنها حددت للخادمة علاقتها بالأطفال من حيث أمور نظافتهم والعناية بهم، فمن غير المسموح لها الدخول معهم إلى الحمام، وإعداد طعامهم، وأمور دراستهم والدخول معهم إلى غرفهم وقت النوم، هذه اهتمامات وأوقات من اختصاصها هي كأم، وهي من تذهب بصحبتهم لتوصيلهم إلى مدرستهم. هذه الأم تقوم بواجبها كأم، وهي تقوم به بشكل صحيح ودقيق وثابت، مع العلم أنها ليست خريجة جامعية ولم تدرس شيئاً له علاقة بالتربية أو بعلم نفس الأطفال، لكنها تربت تربية صحيحة ووعت دورها جيداً كأم!.
كثيرات في عائلتي يقمن بالدور نفسه في أسرهن ومع أطفالهن، وبخلاف هؤلاء لدي يقين بأن هناك الكثير من الأمهات اللواتي يجتهدن في تربية أطفالهن من منطلق الوعي أو الحب أو الخوف عليهم أو لأنهن تربين على ذلك، وهنا لا يجوز تصدير تلك الفكرة عن الأم الإماراتية في عصر الحداثة اليوم بأنها وبالمطلق أم مستهترة مهملة، غير واعية، ألقت بكل مهام ومسؤوليات بيتها وزوجها وتربية أطفالها وتعليمهم إلى الخادمة. هذا الحكم ليس حقيقياً وإن كان به شيء من الحقيقة فهو ليس مطلقاً وكلياً وعاماً. التعميم يظلم كثيرات ممن سيجدن في هذا النقد ظلماً كبيراً قد يدفعهن إلى عدم الإيمان بقيمة النقد ودور الإعلام الموجه!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن البيان