بقلم _ عائشة سلطان
الفضاء الإلكتروني المترامي الأطراف في اللامكان وفي كل مكان، الممتلئ بكل شيء وبكل أصناف البشر، بالعلماء والفقهاء وأشباههم، بالأدباء والسياسيين وطلاب المدارس ودعاة التحرر والتنويريين، بالدجالين والمهرجين وبالملايين من الناس العاديين جداً، والصاخب بالحقائق وبالكثير الذي لا يحصى من الكذب والادعاءات، هذا الفضاء كله لا يناقش الناس فيه شيئاً في هذه الأيام أكثر مما يناقشون مسائل في الدين لم يسبق مناقشتها بهذه العلنية!! ويبدو لي من الطبيعي أن يسأل الواحد منا لماذا كل هذا النقاش؟
ما سببه وما غايته؟لنتفق أولاً على أن الناس لم يتوقفوا يوماً عن هذه المناقشة في أي يوم من آن وجدت الأديان، وقد اتخذت المناقشة أشكالاً مختلفة على مر التاريخ البشري مثل: الحلقات، المناظرات، والكتب، والصراعات وحتى الحروب... إلخ، وبرغم كثرة وكثافة ما قيل إلا أن هذه النقاشات لم تهدأ ولم تنتهِ، بل إن وتيرتها تزايدت والمشاركون فيها أصبحوا أكثر إصراراً على المواصلة، وهنا علينا أن نقول بأن المناقشات لا تحمل معنى التشكيك أو عدم الإيمان دائماً، لكن يحدث كثيراً أن يخرج أناس بتصرفات أو مراجعات وبفتاوى تستدعي الاعتراض ولتعجب وطبعاً النقاش بصوت عالٍ!
إنه وفي ظل هذا الانفتاح وحرية تدفق المعلومات والتعاطي السهل مع وسائط التواصل، أصبح من المستحيل منع الناس من الخوض في كل الموضوعات، فنحن مجتمعات كانت تتوحم على نسمة حرية باردة فاجتاحتنا منها عواصف على حين غرة فكيف سنتصرف؟
في الأيام السابقة وجدت أن هذه النقاشات عادت إلى الواجهة وبقوة لأسباب عديدة ومتداخلة، منها مساحة الحرية التي يبيحها الفضاء الالكتروني، ومنها طرق التعليم بالتلقين، ومنها إلغاء علوم المنطق والفلسفة ومناهج البحث والتفكير، ومنها هذا الصدام بين الشرق والغرب على أرضية التناقضات الدينية، اضافة لتراجع بعض الرموز من المتشددين عما دعوا إليه، كل هذه الامور لم تجد فضاء واقعيا تعلن فيه عن نفسها، فبرز تيار النقاشات الحادة هذه وبكل هذا الزخم!