بقلم : عائشة سلطان
في لقاء تلفزيوني يعود لأكثر من 50 عاماً أجرته الإعلامية القديرة ليلى رستم مع عميد الأدب العربي طه حسين في تلك السنوات، وبحضور عدد من كبار القامات الفكرية والأدبية والفنية كان في مقدمتهم نجيب محفوظ، قيل في اللقاء كلام كثير عن الأدب والأدباء، وكان طه حسين واضحاً وقوياً في طرح آرائه، ومن ضمن ما قاله، إن ألبير كامو الروائي والفيلسوف والمسرحي الفرنسي المعروف لم يكتب في حياته قصصاً طبيعية فيها من مواصفات الأدب ما يمكن اعتباره أدباً، باستثناء روايته «الغريب» وما عدا ذلك في سائر نتاجاته لم يكن سوى شخص ثرثار، لا يدري ما يقول!
لكن العميد في ذلك اللقاء الذي مضى عليه الآن أكثر من خمسين عاماً التفت موجهاً الكلام إلى الشاب الجالس بحياء وقال له أما أنت فملتزم يا نجيب، أنت ملتزم في الثلاثية «يقصد ثلاثية محفوظ الشهيرة: بين القصرين، قصر الشوق، والسكريّة» وقد سئل طه حسين في تلك الجلسة بأي شيء التزم نجيب محفوظ؟ فقال، بالواقعية، إنه ملتزم بالواقع الذي يكتب منه ويكتب له!
إن أهم ما تمناه وطالب به طه حسين في ذلك الزمان الذي يبدو بعيداً عن زماننا أن يجتهد الأدباء الجدد في القراءة، بأن يقرؤوا مثل ما يكتبون، وأن يقرؤوا قبل أن يكتبوا، فهو يأخذ عليهم أنهم قليلو القراءة وغير متعمقين في شيء، وأن ما يكتبونه لا يدل على قراءة واسعة ولا على ثقافة عميقة!
لقد كان العميد يشير إلى ضرورة الاطلاع على الأدب العربي القديم وعلى الثقافات الأخرى التي يتحاشاها غالبية الكتاب الجدد المستلبين إزاء أفكارهم الخاصة حول الشهرة والمنشغلين بقضايا لا تقدم ولا تؤخر ولا تضيف للقارئ شيئاً، والغريب أن الأديب الكبير أشار إلى أن هؤلاء منشغلين بالسينما والتلفزيون والراديو.
حيث تستولي هذه الوسائل على أوقات الناس فتمنعهم عن القراءة، هذا في زمن لم تصل فيه الملهيات إلى الدرجة التي نحن عليها الآن، فماذا كان سيكون موقف الدكتور طه حسين لو عاش زمن وسائل التواصل الحديثة والإنترنت والسوشيال ميديا، زمن سرقة العمر والوقت بامتياز؟
المهم أن وصية طه حسين تتكرر في كل الأزمنة العربية للكتاب الجدد بشأن القراءة والتعمق في الثقافة والالتزام، الالتزام بقضايا الواقع والإنسان وما يعانيه ويتخبط فيه، والكاتب الملتزم لا يمكنه أن يكون كذلك لو لم يقرأ جيداً وبشكل عميق في التاريخ والسياسة والأدب والشعر واللغة بشكل عام، لو لم يقرأ ما يكتبه كتاب العالم، لو لم يملأ احتياطياته دائماً كي لا ينضب ولا يجف، لو لم يعش وسط مجتمعه فيعرف ويسمع ويناقش ويطلع ويسافر!
إن الأدب والقصص ليست مجرد ثرثرة فارغة أو فلسفة لا مردود لها، فلو لم تنفعنا تلك الروايات التي نشتريها ونصرف أوقاتاً في قراءتها فلا قيمة لها مهما تفلسف صاحبها ونمق كلماته، الالتزام والثقافة والقراءة مفاتيح أزلية وثابتة لابد لكل كاتب أن يمسك بها وبقوة.