بقلم : عائشة سلطان
إنه الحادي والعشرون من شهر مارس، يوم كباقي الأيام، كأي يوم تشرق شمسه في موعدها وتغرب في وقتها وفق سيرورة الفلك المعتادة، هو يوم كبقية أيام الله، نصحو مبكرين أو متأخرين، نفرك عيوننا محاولين نفض آخر ما تراكم فيها من خيوط عتمة النوم، لنرى ما حولنا، نفتحهما بصعوبة، نذهب بتثاقل إلى دورة المياه بشعور مشعثة.
وعيون لا زالت بقايا الكحل على جوانبها، نفكر، هل نعود لدفء السرير أم نكمل الطريق نحو طقوس الصباح المعتادة تماماً، كما كنا صغاراً، توقظنا أمهاتنا، فننهض متظاهرين بالنشاط ثم نكمل النوم في الحمام!!
وحده صوت الأم حين يطرق علينا الباب، يوقظنا من غفوتنا وغفلتنا التي ستستمر طويلاً فيما بعد، وحدها من ينبهنا كما ستفعل ذلك طيلة العمر، وكأنها خلقت لترعى أخلاقنا والتزامنا وأحلامنا واستقامتنا ومواعيدنا ومستقبلنا، وكأننا خلقنا لنقدم لها كل هذا الجبل من الهموم والانشغالات و(لا) راحة البال!!
لذلك فأنت اليوم، وكما كنت وكانت هي دائماً، يرن صوتها قادماً من غرفتها أو من جنبات البيت، تشعر بك كما أنك أنت ذاك الذي كان ينهض صغيراً بأعوامه التسعة، تتوالى تعليماتها لك، فتفعل وفق ما جاء في التعليمات، أخيراً تخرج من الحمام مضيئاً تشع نظافة وبرائحة الصابون، تنظر لوجهك في المرآة، فتقع عيناك على زاويتها، حيث غرست ورقة برتقالية اللون على سبيل التذكير ولفت الانتباه ثم نسيت ما كتبت فيها!
آه، إنه الحادي والعشرون من شهر مارس، وعليك أن تشتري لأمك هدية، مع أنك تصحو معها وتسكن عظامها، ولا تحتاج لأية ورقة كي تتذكر شيئاً يخصك، هي لا تقرأ الأوراق أصلاً، إنك أول صبحها وآخر من يتركك مساء بعد أن تتلو عليك تعاليم النوم والسهر وصلاة الفجر والصحة. لذلك فكل يوم هو أبجديتها طالما كان صوتها أول ألف الصباح وتعليماتها آخر مصباح نطفئه قبل أن ننام، مروراً بكل الأبجدية العظيمة!
نقول كل هذه الثرثرة في هذا اليوم تحديداً، لأنه يوم الحادي والعشرين من شهر مارس، يوم الأم، أو عيد الأم، والكل سيقيم لها قداساً ويقدم لها الهدايا فيه، وغداً سيعاودون وضع همّ آخر فوق جبل همومها، نقول ذلك لأننا أبناء ناقصون، ولأنها أم مكتملة، فكل عيد أم وهي وافرة العطاء وأنتم ونحن أكثر رحمة بأمهاتنا!!