بقلم : عائشة سلطان
كيف ننظر لما هو خارجنا؟ خارج ذواتنا، وخارج حدود أجسادنا؟ كيف نقيم الأشخاص والقيم والقناعات التي تعنينا أو تلك التي تخص الآخرين؟ يعني هل من الضروري أن نرى تلك الفتاة التي ارتبط بها أحد أصدقائنا جميلة وفاتنة، لنمنحه صك موافقة على زواجه بها؟ فإذا لم تكن، سجلنا اعتراضا عالي النبرة وكأننا موكلون بضبط إيقاع الحياة! من يحدد لك قيم الجمال، أليس الآخرون؟ ومن يقرر أن يجعلك في دائرة الاهتمام أو ينبذك خارج أسوار الجماعة، أليس الآخرون المقربون أو القريبون منك؟ من يصنع سعادتك الوهمية أو تعاستك الحقيقية حين تهتم بكل كلمة وكل حكم وتقييم؟ أليسوا هم أنفسهم؟ الآخرون؟
تابعت فيلماً يناقش فكرة المعايير الاجتماعية للجمال، ما هو الجمال الحقيقي ومن الذي يصوغ محدداته؟ هل هو جمال الجسد، بكل تفاصيله أم هو جمال الروح ومجموعة القيم التي يحملها هذا الإنسان؟ في حكاية الفيلم ظل ذلك الشاب طافياً على إحداثيات الحياة، تافهاً في نظر أصدقائه، لم يكن يعنيه منهم سوى ما يملكون من مال ومن صديقاته سوى ما يتحلين به من مواصفات جسدية صارخة، إلى أن تغيرت نظرته لكل شيء بعد زيارته لطبيب برمجة عصبية استطاع أن يقلب قناعاته رأساً على عقب ما جعله يرتبط بفتاة في غاية اللطف والحنان، ولكنها كانت قبيحة بمقاييس الجمال الجسدي المتعارف عليه، لكنه ونظراً لتقييمه الجديد للجمال كان يراها أجمل فتاة منحها له القدر، كل ذلك كان يحدث وسط مواقف حياتية طافحة بسخرية أصدقائه واستغرابهم من حديثه عنها كواحدة من ربات الجمال!!
ثم حدث أن تمت برمجة مخ الشاب مجدداً، ليعود فيرى فتاته على ما هي عليه من قبح، ما جعله يتحاشاها ويتهرب منها، وسط استغرابها لتبدله المفاجئ، وحين تأكدت من أمره سقطت في الحزن واعتزلت الناس، لقد أحست بعمق الجرح وفداحة الإهانة، وشعر هو بحجم ما ارتكبه بحقها، ولحظتها تأكد له أنه يحبها بالفعل وأنه سيسعى حثيثاً لاسترضائها والارتباط بها أياً ما كانت آراء عائلته وأصدقائه والمحيطين به.. وقد كان!
نحن عادة ما نرى الأشياء بحسب ما نحمل من مبادئ ومعارف وثقافة اكتسبناها من محيطنا، أسرتنا والمدرسة والزملاء والشعر والفن، يحددون لنا من هو الجميل ومن هو القبيح والجيد والجدير بالرفقة، من دون محاولة طرح أسئلة مختلفة من جهتنا، فماذا لو طرحنا أسئلة نعيد بها صياغة نماذجنا وأحكامنا بشكل أكثر إنسانية وواقعية؟ أظن أنه لا بأس فالنسبية ليست سيئة على أية حال، الحياة كلها وجهة نظر، وكل ما فيها نسبي!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن البيان