بقلم : عائشة سلطان
كيف أصبحتَ كاتباً؟ إنه السؤال الأول وربما البديهي الذي يُوجه لأي روائي أو كاتب، وهو ردة فعل الدهشة المتعاظمة أمام فعل الكتابة الفذ والحقيقي .
كذلك، لكن الغريب أن ما من كاتب سئل هذا السؤال وأجاب عليه كما أراد السائل، لأن من يسأل يريد جواباً محدداً وسريعاً وشافياً: يحسب نفسه كمن يشتري وجبة طعام سريعة، بينما الكاتب حين يجيب فإنه يجتهد لإيصال عدة رسائل في عمق المعنى لا في قشرة الظاهر، إنه حتماً لا يقدم وصفة سريعة لطريقة الكتابة، فهذا الأمر لا يُشرح لكنه يعاش أولاً ويعاش أخيراً.
لقد سئل نجيب محفوظ كثيراً عن سبب كتابته لرواية «أولاد حارتنا»، ولماذا كتبها بهذه الطريقة؟ ومن خلال تتبع الحوارات التي طُرح عليه فيها هذا السؤال يتبين بوضوح أن محفوظ قدم عدة إجابات مختلفة وأحياناً متعارضة! ما يعني أن الكاتب نفسه أحياناً لا يمتلك تلك الإجابة التي يظنها الصحفيون سهلة، أو يفترض أن تكون على طرف لسان الكاتب.
الروائي الكولومبي غارسيا ماركيز قال ذات مرة: «إن أكثر من يسألون أنفسهم كيف تكتب الرواية هم الروائيون، وهم يقدمون حتى لأنفسهم إجابة مختلفة في كل مرة»، ومع ذلك فلماركيز كتاب تحت هذا العنوان «كيف تُكتب الرواية؟» لم يشرح فيه، بطبيعة الحال، كيف يمكن لأحدهم أن يتبع خطوات معينة ليكتب رواية، لكنه ومن خلال مقالات الكتاب الشيقة قال لنا:
«إن الرواية لا تُكتب إنها تعاش. الرواية ليست مهنة أو وظيفة عادية، فأن تكتب يعني أن تحشر نفسك داخل الشخصيات والأحداث، وكأنك تبني عالماً جديداً لا علاقة له بأي شيء».التشيلية إيزابيل الليندي حينما سئلت: كيف أصبحتِ كاتبة؟ قالت لأن حياتي كلها خط متصاعد من الألم، إنها سيرورة حياة تتمحور حول الوجع والفقد والحب والذاكرة، أنا امرأة مأسورة للغتي الإسبانية رغم حياتي في الولايات المتحدة.
ومحكومة بحياة السفر والترحال زمن طفولتي، ومحكومة بشخصيات أجدادي وعماتي الممتلئين بالحكايات والأساطير والذين تحولوا إلى شخصيات في رواياتي. الكاتب لا يصنع كتابته، إنما كتابته وتاريخه الشخصي هما ما يصنعانه، حسب ماركيز.