بقلم : عائشة سلطان
وسط كل هذا الزخم من الأحاديث والمناسبات والأحداث التي تدور وتتفاعل حولنا، تبقى لنا مساحتنا الخاصة وأحداثنا الصغيرة التي مرت بنا وصاغتنا وتركت بصمتها في ذاكرتنا، في يوم المرأة الذي خصصه العالم ليكفّر به عما ارتكبه في حق المرأة، تستحضر كل امرأة تلك الأحداث الفارقة في حياتها لتتباهى بما أنجزته لنفسها ولتشكر الله والظروف والمجتمع الذي تعيش فيه على أنها لم تكن هي أو أي امرأة من أسلافها ضمن أولئك النسوة البائسات اللواتي أغلق عليهن أصحاب مصانع النسيج في نيويورك المصنع وأضرموا فيه النيران ليمتن بطريقة غاية في البشاعة عام 1908!
أتذكر تماماً أمرين في غاية الأهمية صنعا وعيي كفتاة تنتمي لعائلة محافظة في تلك السنوات البعيدة، أولهما علاقتي بالبحر، فالبحر صنع أبجديات علاقتي بالحياة كلها: الحرية، الجسارة، السعي للمعرفة، لوثة السؤال، قبول الآخر، المرونة، عشق السفر، وأشياء أخرى، كان البحر ملعبنا ولعبتنا ومصدر رزق كل الناس الذين يسكنون حينا والأحياء المجاورة، ويشاركوننا عالمنا البسيط!
كان من الشائع حتى نهاية عقد السبعينيات أن يقرر الآباء منع بناتهن من إكمال الدراسة أو حتى الخروج من المنزل تمهيداً لتزويجهن، وحين قررت أسرتي ذلك لم أجد بداً من البحث عن مخرج، عن فكرة للاعتراض، موج البحر منحني ذلك الصوت، أو تلك الفكرة، الموج الذي لطالما ضرب بلا ملل أسوار البيوت القريبة منه فتهاوت تحت ضرباته التي لم تتوقف يوماً، إصرار الموج كان الدرس الأول، لذلك أصررت على أن أكمل تعليمي، فأضربت عن الطعام حتى خشيت عليّ أسرتي، فتراجعت عن قرارها، يومها أحسست بأنني أصبحت قوة حقيقية دون أن أقول كلمة، لقد كانت الفكرة أقوى من أن يقف أحد في وجهها، قال أبي: هذه البنت تحب المدرسة، لتكمل تعليمها إذن!
وحين أصبحت في الحادية عشرة من عمري، أخذت جدتي وكنت أحبها كثيراً، وذهبنا لنشتري أول كتاب اقتنيته بمالي الخاص، كان الكتاب يحكي قصة حياة امرأة ناضلت لتحفر اسمها في سجلات التاريخ إلى الأبد، لتدرس في جامعة لم تدرس فيها امرأة قبلها، ولتنال جائزة نوبل مرتين وفي فرعين مختلفين من فروع العلوم الرئيسة: الكيمياء والفيزياء، كانت تلك المرأة ملهمتي الثانية بعد البحر: إنها العالمة البولندية ماري كوري! نقلا عن البيان