بقلم : عائشة سلطان
الذين يهتمون بالسينما يعرفون تماماً أنها الخطاب الثقافي الأكثر إنسانية وبساطة وتجاوزاً لكل أشكال الخطابات الثقافية التقليدية، السينما تتجاوز الرواية والشعر والرقص والموسيقى والرسم والصورة والحركة و.. إلخ، لأنها تحتويها كلها وتتفوق عليها من خلال لقطة واحدة!
السينما لغة الحياة، لغة جديدة، مرنة ومغسولة بهموم واهتمامات كل الناس باختلاف لغاتهم وثقافاتهم وتوجهاتهم، لكنهم أمام الفيلم يجلسون بانبهار واحد، ويفهمونه مهما ذهبت رؤية المخرج وشطت أفكار السيناريست أو مدير التصوير، لغة الصورة السينمائية ساحرة واستحواذية وأخاذة جداً، لذلك يحب الناس السينما، الصغار والكبار، الأغنياء والفقراء، المثقفون وغيرهم؛ لذلك حين أراد أن يبدأ مخرج «يوم الدين» بعرض فيلمه الذي أصبح حديث الأوساط السينمائية والإعلامية، فإنه لم يختر سينمات وسط القاهرة، بل اختار «سينما سكيب» في مدينة المنيا البعيدة عن القاهرة، المدينة التي هي مسقط رأس بطل الفيلم راضي جمال!
أمام فيلم المخرج الشاب أبوبكر شوقي «يوم الدين» يعود جمهور السينما الواعي لأسئلته الأزلية التي لطالما طرحها على السينما العربية والمصرية تحديداً، لماذا هذا العزوف عن ولوج الموضوعات الإنسانية التي تطرحها كل سينمات الدنيا، كموضوعات المرأة التي حولتها أفلام كثيرة إلى جنس وانحراف فقط؛ موضوعات الأطفال، الأمراض، البيئة، المراهقين، الهوية، مآزق كبار السن..
موضوعات كثيرة وحساسة وضاغطة ابتعدت عنها السينما العربية لتختص في السفاهة والتفاهات بلا حدود، في الحب بأشكاله المبتذلة والاستعراضات الرخيصة والجنس والمخدرات وعوالم مافيات الفساد، بينما الإنسان لديه أحلام وأمنيات وتطلعات وهموم بسيطة ومشروعة من حقه أن تعرض، وأن تناقش، وأن تفتح ملفاتها بلغة السينما الحساسة والقوية والبسيطة وشديدة التأثير والتوغل في عقول الجماهير!
يوم الدين فيلم يحكي عن بشاي، الشاب الذي قضى عمره في مستعمرة للمصابين بالجذام في أبو زعبل، بعد أن تركه أبوه كقمامة على مدخل المستعمرة، لكن الفتى يشب ويعالج وينجو ويخرج بحثاً عن أهله في الصعيد، معتمراً قبعة تغطي وجهه الذي أكله الجذام، وصار يرعب الناس، الفيلم يريد أن يقول لنا جميعاً بقوة صارخة، إن من حق كل إنسان أن يعيش في هذه الحياة، وأن يحظى بفرصته في السعادة والصداقة والحب، مهما كان مختلفاً في شكله ودينه وأفكاره. الرائع أن أبوبكر شوقي قد اختار مريضاً بالجذام ليقوم ولأول مرة بدور البطولة في الفيلم الذي ترشح للمشاركة في مهرجان كان فئة الفيلم الأجنبي (غير الأميركي)!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن البيان